سعود قبيلات ▣
تقترح هذه المبادرة برنامجاً إصلاحيّاً يشتمل على نقاطٍ عديدة، مِنْ أبرزها النقاط التالية:
· إجراء انتخابات رئاسيَّة تعدّديّة مفتوحة للمرشَّحين كافَّة الذين تنطبق عليهم شروط الترشيح في العام 2014؛
· إعلان مبادئ واضحة ومحدَّدة مِنْ قبل (رأس الدولة) يحدِّد فيه ما تضمَّنته خطاباته مِنْ خطوات إصلاحيَّة، كما يؤكِّد التزامه بالانتقال إلى نظام حكم تعدّدي وأنْ يستخدم صلاحيَّاته الموسَّعة الحاليَّة كي يعجِّل بعمليّة الإصلاح؛
· فصل الجيش عن الحياة السياسيَّة والمدنيَّة؛
· إجراء اتِّصالات سياسيَّة جدّيَّة ما بين (رأس الدولة) وممثِّلي قوى المعارضة على قاعدة النديَّة والتكافؤ والمساواة، بصفتها شريكاً معترفاً به سياسيَّاً، وذلك على أساس رؤية برنامجيَّة واضحة للتحوّل من النظام القديم إلى نظام ديمقراطيّ تعدّديّ بديل؛
· الحوار على أساس المصالح الوطنيَّة العليا بالانتقال الآمن إلى مرحلة جديدة وفق ثوابت الوحدة الوطنيَّة: لا للعنف، لا للطائفيَّة، لا للتدخّل الأجنبيّ؛
· أنْ يكون هذا الحوار، الذي يجري بتيسير ودعم (رأس الدولة) ومعه، مفتوحاً لكلّ القوى والشخصيّات الراغبة في الانضمام إليه بصرف النظر عن الهيئة التي تنتمي إليها أو الحزب الذي تمثِّله وفق الأسس التي يتطلّبها الحوار؛
· أنْ تلعب الجامعة العربيَّة بدعوة من (رأس الدولة) دوراً ميسِّراً للحوار ومحفِّزاً له وفق آليَّة يتمّ التوافق عليها؛
· أنْ يعقد (الحزب الحاكم) مؤتمراً استثنائيّاً في شكلٍ سريع يقرِّر فيه قبول الانتقال إلى نظام ديمقراطيّ تعدّديّ يقوم على صندوق الاقتراع؛
· تشكيل حكومة وحدة وطنيَّة ائتلافيَّة برئاسة شخصيَّة مقبولة مِنْ قوى المعارضة المنخرطة في عمليَّة الحوار، وتعمل مع (رأس الدولة) وتتحدَّد مهمَّتها في إجراء انتخابات نيابيَّة شفَّافة تعدّديّة حزبيّاً وفرديّاً يشرف عليها القضاء وتكون مفتوحة لمراقبين للانتخابات وتنجز مهامّها قبل نهاية العام؛
· يُكلَّف رئيس الكتلة النيابيَّة الأكثر عدداً بتشكيل حكومة تمارس صلاحيَّاتها الكاملة بموجب القانون وتكون مهمَّة المجلس النيابيّ المنتخب أنْ يعلن عن نفسه جمعيَّة تأسيسيَّة لإعداد وإقرار دستور ديمقراطيّ جديد يُطرح للاستفتاء العامّ؛
· الاتِّفاق على برنامج زمنيّ محدَّد لتنفيذ هذه المبادرة، وتشكيل آليَّة لمتابعة تنفيذها بما في ذلك وجود فريق عربيّ لهذا الغرض.
والأسئلة التي لا بدّ أنْ تخطر في البال، عند الانتهاء مِنْ قراءة هذه البنود، هي: مَنْ طرحها؟ وعلى مَنْ طرحها؟ وبخصوص أيّ بلد؟
هذه، بالطبع، ليست "حزّيرة" تنتظر الحلّ. ولذلك، فسأقفز عمَّا صغته مِنْ أسئلة مضمرة لأقول إنَّ النقاط الواردة أعلاه – كما هو واضح – تصلح لأنْ تكون نقاطاً أساسيَّة مشتركة في برنامجٍ أصلاحيٍّ عامّ لجميع الدول العربيَّة، شريطة إضافة بنودٍ أخرى تضمن تحقيق العدالة الاجتماعيَّة وتثبيت الأسس الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي تتيح لأوسع الفئات الشعبيَّة ممارسة دورها في الحياة السياسيَّة على أحسن وجه.
بيد أنَّ هذه المبادرة لم تُطرح، في الحقيقة، للبلدان العربيَّة جميعها، وإنَّما طُرحتْ لسوريا فقط! ومَنْ طرحها هو عددٌ من الدول العربيَّة الديمقراطيَّة بقيادة السعوديَّة ودول الخليج في إطار مجلس الجامعة العربيَّة، كما وردتْ في جريدة "العرب اليوم" - 7 أيلول 2011. ولقد أزلتُ منها، لغرض الصياغة التي وضعتُ مقالي هذا وفقها، كلَّ إشارة إلى سوريا أو "الرئيس" (استخدمتُ بدلاً مِنْ ذلك: رأس الدولة) أو حزب البعث (استخدمتُ: الحزب الحاكم).. الخ.
ويُلاحظ أنَّ وسائل الإعلام لم تلقِ ضوءاً كافياً على البنود الأساسيَّة لهذه المبادرة، وخصوصاً وسائل الإعلام التي تعوَّدتْ المبالغة في تغطية أيّ حدث له صلة بسياسة السعوديَّة في المنطقة، والتزلّف لها، وتلميع وجهها.
وليس هذا غريباً.
الغريب، فعلاً، هو أنَّ الأنظمة العربيَّة استعارتْ أبرز مطالب المعارضات العربيَّة لها جميعاً، ووضعتها في هذه المبادرة لتوجِّهها مِنْ ثمَّ إلى النظام السوريّ وحده؛ وأنَّ خصوم النظام السوريّ اعتبروا موقف الأنظمة العربيَّة، ذاك، موقفاً إيجابيّاً وهلَّلوا له ورحَّبوا به، مِنْ دون أنْ يجدوا فيه أيَّ تناقضٍ أو خلل!
ومن الطريف أنْ السعوديَّة ودول الخليج التي تحظر الأحزاب في بلدانها بجميع ألوانها، والنقابات، كذلك، ومؤسَّسات المجتمع المدنيّ (بل وقيادة المرأة للسيّارات – كما هو الحال في السعوديَّة، مثلاً)؛ والتي تخضع لسيطرة عائلات حاكمة.. الخ، تتحدّث، بلا لعثمة، عن ضرورة أنْ يعقد حزب البعث في سوريا مؤتمراً استثنائيّاً ليتَّخذ فيه قراراتٍ محدَّدة بشأن الإصلاحات المطلوبة!
على أيَّة حال، ما دام النظام الرسميّ العربيّ قد رسم بشكلٍ جماعيّ، وجليّ، معالم "خارطة الطريق" – كما يقال هذه الأيّام – المطلوب إتِّباعها لتحقيق الإصلاح الحقيقيّ، فإنَّني أدعو التيَّارات والشخصيَّات والقوى الشعبيَّة الطامحة إلى التغيير، في الدول التي صاغت المبادرة (وسواها من الدول العربيَّة)، إلى اغتنام هذه الفرصة السانحة، واستخدام هذه الحجّة القويَّة، للضغط على الأنظمة العربيَّة مِنْ أجل الشروع، فوراً، بالسير وفق "خارطة الطريق"، هذه، كمدخل عربيّ مشترك لبرنامج شامل للإصلاح الديمقراطيّ المنشود في جميع البلاد العربيَّة.
بل إنَّ المنطق السليم يقتضي – إذا ما سرنا معه على استقامته – أنْ تعلن السعوديَّة، والدول العربيَّة الأخرى التي شاركتها في صياغة هذه المبادرة، عن تبنِّي مبادرتها، تلك، كأسلوب لمعالجة الأوضاع السياسيَّة المنحرفة بصورة مزمنة في بلدانها، هي نفسها، وأنْ تشرع على الفور في اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها؛ كما يقتضي أنْ تسحب السعوديَّة ودول "التعاون الخليجيّ" قوّاتها من البحرين، وأنْ تتيح للشعب البحرينيّ، الذي سحقتْ انتفاضته بالقوَّة وقهرته واضطهدته، أنْ ينعم بتحقيق بنود هذه المبادرة نفسها في بلاده، وأنْ تتوقَّف كذلك عن وضع العراقيل أمام مئات الألوف من اليمنيين الذين يحتشدون في الساحات منذ ثمانية أشهر.. لكي يتمكّنوا مِنْ تحقيق بنود هذه المبادرة، هم أيضاً، في بلادهم.
على أيَّة حال،َ المنطق السليم ليس هو وحده ما يقرِّر، ويعمل؛ وإنَّما، قبل ذلك وبعده، إرادة الشعوب، وحركة التاريخ الذي كشفتْ المبادرة العربيَّة الرسميَّة، هذه، مِنْ حيث لم يحتسب أصحابها، عن بعض ملامح جدول أعماله. إنَّه جدول الأعمال الواجب التحقّق في البلاد العربيَّة كلّها، بلا إبطاء، والذي لن يستطيع أحد الإفلات منه، مطلقاً.