سعود قبيلات ▣
لاحظتُ، مستغرِباً، أنَّ البعض يخلط كثيراً ما بين إبعاد السفير "الإسرائيليّ" عن تركيا وبين اقتحام الشعب المصريّ سفارة العدوّ الصهيونيّ في القاهرة، واضطرار شاغل تلك السفارة، وطاقمها، لمغادرة أرض الكنانة، بصورة عاجلة.
ومَنْ يقوم بهذا الخلط، إمَّا أنَّه لا يمتلك المعلومات الكاملة التي تتيح له معرفة الدوافع الحقيقيَّة والظروف المختلفة التي أحاطت بكلّ من الحدثين المشار إليهما، أو أنَّه يتعمّد ذلك لخدمة أغراض سياسيَّة معيَّنة.
فتركيا، عندما أبعدتْ السفير "الإسرائيليّ"، كانت، في الوقت نفسه، قد قامت، تحت ستار دخان هذا الحدث المثير، باتِّخاذ موقفٍ خطير يصبّ في الجهة المعاكسة؛ ألا وهو موافقتها على نصب الدرع الأطلسيّ المضاد للصواريخ على أراضيها.
ومعروف أنَّ هذا الدرع يهدِّد المنطقة بمجملها، ومِنْ ضمنها بشكلٍ خاص البلاد العربيَّة، ويمثِّل خطراً حقيقيّاً على استقلالها وحريَّة شعوبها وطموحها إلى النهوض والتقدّم. بل إنَّ واحداً مِنْ أهمّ أهداف نصب هذا الدرع على الأرض التركيَّة هو حماية "إسرائيل"، نفسها، مِنْ أيّ خطرٍ محتمل.
ولذلك، فقد كانت ردَّة فعل "إسرائيل" وأميركا على إبعاد السفير الصهيونيّ عن تركيا فاترة ومحدودة.
أمَّا ما حدث في مصر، التي أطاحتْ ثورتها المجيدة بأهمّ ركائز "إسرائيل" وأميركا في المنطقة، فهو أنَّ شعبها البطل قد خطا، باقتحامه السفارة "الإسرائيليَّة"، خطوةً كبيرةً إلى الأمام على طريق ثورته ذات الهويَّة الوطنيَّة والقوميَّة التحرّريَّة.
الأمر الذي يشير إلى إدراك الشعب المصريّ الشقيق حقيقة الصراع الذي يخوضه وأبعاده، وأنَّ ظَفَرَهُ بالحريَّة والديمقراطيَّة الحقيقيَّة مشروطٌ، موضوعيّاً، بالانفكاك من التبعيَّة للصهيونيَّة والإمبرياليَّة وللنظام الرأسماليّ الدوليّ، والسير باتِّجاه الديمقراطيَّة الاجتماعيَّة. وهذا يجعلنا نتفاءل بمسار الثورة المصريَّة، ونتوقّع انتصارها.
بخلاف ذلك، يكون كلّ ما حدث في مصر منذ كانون الثاني (يناير) 2011 مجرَّد انقلابٍ غيَّرَ الوجوه والأسماء ولم يغيِّر النظام ولا طبيعته ولا سياساته. ويصبح مِنْ غير المستبعد، في مرحلة لاحقة، أنْ تعصف بكلّ ما تمَّ إنجازه ثورةٌ مضادَّة نرى نذرها واضحة منذ الآن.
إنَّ هذا البعد الوطنيّ (والقوميّ) التحرّريّ، والديمقراطيّ الاجتماعيّ، هو أحد أهمّ شروط التفريق بين الثورة وبين الثورة المضادَّة، اللتين يصرّ البعض على الخلط بينهما، كثيراً، هذه الأيَّام، وبصورة محمومة؛ لأسباب لم تعد خافية.