سعود قبيلات ▣
عندما تَعِدُ الحكومات بمكافحة الفساد فإنَّه لا أحد
يأخذ وعودها بجدّيَّة؛ لأنَّ الجميع يعرف بأنَّه لا تتوفّر لديها الإرادة اللازمة للقيام
بذلك، ولو افترضنا أنَّ الإرادة توفَّرتْ فإنَّها لن تجرؤ على تنفيذها، ولو جرُأتْ
على تنفيذها فإنَّها لن تستطيع إتمام عملها في هذا المجال في ظلّ التركيبة
السياسيَّة الحاليَّة. ولكن عندما يصبح حديث الحكومات عن مكافحة الفساد وسيلة لتجميل
مساعيها مِنْ أجل التستّر عليه، وحماية المتورّطين به، ومحاسبة المكافحين له، فلا
يمكن إغفال كلامها، هذا، أو الاستهانة به والقفز عنه.
تقول الحكومة الحاليَّة في ردِّها على كتاب التكليف: "مكافحة
الفساد يجب أنْ تكون منزَّهة عن أيّ دوافع شخصيَّة أو سياسيَّة وأنْ يكون الفيصل
فيها دائماً حكم القضاء المستقلّ العادل".
إنَّه كلام إنشائيّ مغمغم وملتو. والأصل هو أنْ تتحدَّث الحكومة
للناس عن خطَّتها العمليَّة لمكافحة الفساد، وليس عمَّا تدّعي أنَّه مظاهر سلبيَّة
لهذه المكافحة التي تتوالى وعود القيام بها منذ سنوات ولم يبدأ تنفيذها بعد. ولكن يبدو
جليّاً أنَّ ما يشغل تفكير الحكومة هو أمر آخر تماماً. إنَّه إخراس أصوات الناس
الذين شبّوا عن الطوق، مؤخّراً، وتخلّصوا من الخوف، وأصبحوا يوجّهون أصابع
الاتّهام، علناً، للفاسدين الكبار بأسمائهم الصريحة، ومِنْ دون مراعاة للخطوط
الحمر والقيود التي كانت مفروضة سابقاً على حريَّة النقد والتعبير.
ولم تترك الحكومة هذه المسألة عند هذا الحدّ، بل أضافت إلى
كلامها السابق فقرة ثانية تؤكِّد فيها أهدافها ومراميها المرفوضة، تلك، بالقول
إنَّ القضاء سيكون حَكَمَاً وفيصلاً في "الموازنة بين حريَّة التعبير والنقد
مِنْ جهة وواجب مَنْ يمارس هذه الحريَّة مِنْ جهة أخرى بأنْ لا تتحوَّل إلى أداة
إلى التجريح والتشهير واغتيال الشخصيَّة".
من المعروف أنَّه يوجد العديد من القوانين العاديَّة
التي تحمي الناس من التجريح والتشهير والإساءة، بيد أنَّ المقصود هنا وضع قوانين
خاصَّة لحماية الفاسدين الكبار مِنْ نقد الناس ومحاسبتهم. وبكلامها السابق تؤكِّد الحكومة
التزامها بالعمل مِنْ أجل إقرار تلك القوانين المطلوبة التي يُفترض أنْ تحاسب
قضائيّاً كلَّ مَنْ يتجرَّأ على توجيه نقد صريح لكبار الفاسدين ويُطالب بمحاسبتهم!
وقد بدأ التنفيذ العمليّ لهذا التوجّه قبل هذه مجيء الحكومة، وحتَّى قبل إقرار التشريعات
العقابيَّة المطلوبة، بمحاكمة شباب الحراك في الطفيلة.
وللدّقّة، فإنَّ كلام الحكومة الحاليَّة السابق، وعدٌ
صريح بمتابعة تنفيذ ما طُلِب من الحكومة السابقة تنفيذه وعجزتْ عنه. أعني إقرار
المادَّة 23 مِنْ قانون هيئة مكافحة الفساد الذي لا يزال معروضاً على مجلس الأعيان
بعد إقراره مِنْ مجلس النوّاب.
ما يعني أنَّه على الصحفيين والكتّاب والرأي العامّ
التهيّؤ لمواجهة هذا القانون غير الدستوريّ والمخالف لكلّ الشرائع والأعراف
الديمقراطيَّة.
إنَّها، حقّاً، حكومة إصلاحيَّة!