سعود قبيلات ▣
إنَّ ما تشيع تسميتها بالنخب في العالم العربيّ تمثِّل في
هذه المرحلة مشكلة حقيقيَّة؛ فبعضها، لا يمتلك من الوعي والتجربة ما يكفي، وبعضها الآخر
وضع نفسه برسم التأجير للمشترين المحلّيين والخارجيين.
وفي الحالين، تختلط المفاهيم على يد هؤلاء وتضيع الحدود
والفواصل. وتصبح الثورة والثورة المضادَّة، على سبيل المثال، شيئاً واحداً.
إنَّ العودة ببعض البلدان العربيَّة إلى عصر الاستعمار، وبمجتمعاتها
إلى عصور الظلام، لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أنْ تكون ثورة، بل هي ثورة
مضادَّة.
الثورة في عصر الرأسماليَّة المتوحِّشة، يجب أنْ يكون هدفها
تحقيق الحريَّة (الشخصيَّة والعامَّة، على السواء)، والديمقراطيَّة (السياسيَّة
والاجتماعيَّة، معاً)، والتحرّر الوطنيّ. فكيف إذا كانت أهداف الحركة المسمَّاة
ثورة هي عكس هذا كلّه.
في كلّ ثورة، وكلّ مرحلة ثوريَّة، كانت هناك دائماً ثورة
مضادَّة وقوى لها مصلحة في هذه الثورة المضادَّة، مثلما هناك قوى لها مصلحة في
الثورة. ومن الطبيعيّ أنْ يصطفّ كلّ مع مصالحه ومصالح القوى الاجتماعيَّة
والسياسيَّة التي يمثِّلها، سواء أكانت محليَّة أم خارجيَّة.
وطبيعيّ، في الظروف
الثوريَّة أنْ يحتدم الصراع. والقوى الثوريَّة مِنْ مصلحتها وواجبها توضيح الحدود
والفواصل، بينما قوى الثورة المضادَّة مِنْ مصلحتها خلط الحدود والفواصل وتزييف
المفاهيم والوعي. وعلى الثوريين الحقيقيين في مثل ظروف الصراع المحتدمة، هذه، أنْ
لا يخضعوا للابتزاز الذي يمارسه خصومهم، وأنْ يحاربوا التضليل وتزييف الوعي.
فلنتذكّر، على سبيل المثال، الحملة التي شُنَّت في ثمانينيَّات
القرن الماضي ضدّ القوى الثوريَّة في أفغانستان. ولقد استقبل الرئيس الأميركيّ
الأسبق، اليمنيّ المتطرِّف رونالد ريغان، قادة الثورة المضادَّة، آنذاك، باعتبارهم
مناضلين مِنْ أجل الحريَّة ورأينا ما حلّ بأفغانستان على يد المناضلين مِنْ أجل
الحريَّة وحلفائهم الأميركيين والأطلسيين، يكفي أنْ نتذكَّر أنَ تعليم الفتيات
أصبح محرَّماً، وغيره الكثير الكثير ممَّا يماثله ويزيد، وأوضاع أفغانستان الكارثيَّة
خلال السنوات العشر الأخيرة (والآن) معروفة لنا جميعاً. ويستطيع كلّ مَنْ يريد أنْ
يعرف كيف كانت أفغانستان في الثمانينيَّات أنْ يحصل على هذه المعلومات بسهولة.
وشتَّان ما بين هذه وتلك!
وبالتالي، فلسنا سذّجاً لننخدع بدعاية التحالف نفسه الذي
قاد إلى دمار أفغانستان وسواها، وننجرّ مع حيلهم وأحابيلهم، كما أنَّنا لم نكن
سذّجاً في الماضي، ولم ننخدع بها آنذاك، وحذّرنا مِنْ عواقبها، وهاهي ماثلة أمام
الأنظار. فهل نحن بحاجة لأنْ نجرِّب المجرَّب؟!
على جميع الناس الجدّيين والمخلصين لأوطانهم ولقيم الحريَّة
والديمقراطيَّة والعدل الاجتماعيّ أنْ يطالبوا التحالف الذي ارتكب جرائم بشعة بحقّ
أفغانستان والصومال والسودان وسواها أنْ يعتذروا عن أخطائهم وما قادت إليه مِنْ
كوارث. هذا إذا كانت مجرّد أخطاء. قبل أن يقدّموا أنفسهم مجدَّداً كعرَّابين
للحريَّة والديمقراطيَّة. وليعرفوا أنَّه ليس بإمكانهم الآن أنْ يخدعوا نفس العدد
من الناس الذي تمكَّنوا مِنْ خداعه في السابق.
وأوَّلاً، وأخيراً، ليس مِنْ حقِّ الأطلسيّ وحلفاؤه أنْ
يقدِّموا لنا وصفةً محدَّدة ووحيدة للإسلام؛ فالاسلام ثقافة خاصَّة بالشعوب
العربيَّة جميعا؛ مسلميها ومسيحييها، متدينيها وعلمانييها، ومِنْ حقّ هؤلاء جميعاً
أنْ يعرضوا رؤيتهم للثقافة الإسلاميَّة بطريقة ديمقراطيَّة، وأنْ تكون هناك آليَّة
ثابتة لتداول السلطة بينهم. لا أنْ يكون تفسير الإسلام حكراً على
"الفقهاء" الوهّابيين، وأشباههم،
الموالين لحكّام السعوديَّة "الديمقراطيين"، الموالين بدورهم
للولايات المتَّحدة.
وعلى السيِّد أردوغان، ممثِّل الأطلسيّ في المنطقة، المتحمِّس لتنصيب ممثِّلي
الوصفة الدينيَّة المنتمية للعصور الوسطى حكَّاماً لبلادنا العربيَّة (تلك الوصفة
التي وضعها في الأصل "فقهاء" كانوا يخدمون حكَّاماً مستبدّين)، مثلما تحمَّس
منذ مدَّة قريبة لنصب الدرع الصاروخي الأطلسيّ المكرَّس لحماية
"إسرائيل" على أرض بلاده، عليه أنْ يجرؤ على تطبيق تلك الوصفة في بلاده
نفسها أوَّلاً. وعندئذٍ يمكن أنْ ننظر إلى الأمر على أنَّه مجرَّد وجهة نظر وليس
مؤامرة استعماريَّة دوليَّة وإقليميَّة هدفها الأوَّل هو احتواء الروح الثوريَّة
للشعوب العربيَّة، وضمان بقائها في حظيرة التبعيَّة الكاملة للرأسماليَّة
الدوليَّة عن طريق إدخالها في غيبوبة العصور الوسطى، التي هي بلغةٍ أخرى، صورة
مِنْ صور أيديولوجيا هوامش النظام الرأسماليّ الدوليّ. وبترجمة أخرى، هي أيديولوجيا
الانحطاط والتخلّف.
الشعوب العربية المحتقنة من الحكام الفاسدين والانظمة الفاسدة لم تكترث أبداً للحلف الأطلسي وحلفاءه وكان جل همها أن تخلص من عدوها الداخلي الذي أذاقها العذاب في شتى أصنافه، وامريكا متخبطة منذ بداية الربيع العربي لأن الذي حدث في تونس كان خارج توقعات السي أي إيه ثورة لا مثيل لها حيث اطاحت بدكتاتور عتيد خلال فترة مهولة 21 يوما، ومع ذلك فإن الحلف الاطلسي ليس له سيطرة على الأحداث الجارية حيث أنه مجبر على التعامل مع ما تئول الية الأمور والتي يقررها الشعوب كما هو الحال في تونس ألان وهم يعلمون أن هذه الشعوب قادرة وقوية، ولكن تبقى مشكلتنا في الجهل وقلت الخبرات لدى أغلبية الدول العربية واخشى أنها ستذهب للحلف لتطلب منه المساعدة في أدارة أمور البلاد .
ردحذف