سعود قبيلات ▣
أنا حزين جدّاً لأنَّ بلداً عربيّاً أساسيّاً آخر بدأتْ
إجراءات تسليمه ليد الجزّارين الإمبرياليين، ليشرعوا بتدميره وتفتيته وقتل مئات
الألوف - على الأقلّ - مِنْ أبنائه، وسَلْب استقلاله، وضرب قدراته ومقدّراته،
لصالح ربيبتهم المدلَّلة (إسرائيل).
وقد قام ملوك الطوائف الأذلّاء بدورهم الخسيس في هذا
المجال، كما هو متوقّع منهم، وكما فعلوا طوال تاريخهم المشين، وأكثر.
والأعراب فرحون جدّاً بمتابعة الترتيبات الجارية، الآن، أمام أنظارهم، لتنفيذ
هذه الجريمة الكبرى؛ وذلك لأنَّ بعضهم يتوهَّم أنَّ آلة الدمار
الإمبرياليَّة ستأتيه بالحريَّة والديمقراطيَّة، وبعضهم الآخر جلّ طموحه هو أنْ
يحصل على بعض الفتات المتساقط مِنْ مائدة السادة الأطلسيين لقاء نذالته.. وسواهم يأمل
أنْ يسمح له المحتلّون الجدد القدماء بالمشاركة في سلطة الحكم الذاتي الجديدة التي
سينشئونها تحت وصايتهم.
والأعجب من الجميع هم بعض المثقَّفين الذين لا يجدون
غضاضة في أنْ يتحالفوا مع أنظمة قروسطيَّة تابعة للإمبرياليَّة، ومع الإمبرياليَّة
نفسها، باسم الحريَّة والديمقراطيَّة، وبحجَّة العداء للنظام القائم في سوريا الآن؛
مع أنَّه من الواضح أنَّ سوريا هي المستهدف، وليس النظام وحده، والأمّة العربيَّة
كلّها، وليس سوريا وحدها.
لقد كنتُ معادياً تماماً لنظام الرئيس الراحل صدّام حسين؛
ولكن عندما شرع الإمبرياليّون (وأعرابهم) بحشد قواهم ضدّه، وقفتُ إلى جانب العراق،
نظاماً ودولةً وشعباً، وذهبتُ إلى بغداد لأوَّل مرَّةٍ في حياتي متضامناً. فمواجهة
المعتدين تصبح هي الأولويَّة الأولى، إذا ما تعرَّض أيّ بلد عربيّ لعدوان
إمبرياليّ أو صهيونيّ، وليس الثارات الخاصَّة مع نظام ذلك البلد أو الخلافات
السياسيَّة معه، التي يجب أنْ تُؤجّل في مثل هذه الحالة إلى أنْ ينتهي العدوان
الخارجيّ.
هكذا هي تقاليد الوطنيين مِنْ مختلف التيّارات ومختلف البلدان ومختلف الأزمان، في
مواقفهم من المعتدين الإمبرياليين على بلدانهم. وما عدا ذلك ليس سوى تقاليد
العملاء والمتخاذلين.
مَنْ يصمت الآن، أو يتواطأ، ليس مِنْ حقّه، لاحقاً، بعد حلول الكارثة واتِّضاح نتائجها المأساويَّة، أنْ يتبرأ، مِنْ مسؤوليَّته عنها.
لقد ذهبتُ قبل يومين إلى دمشق، وعندما عدتُ مِنْ هناك
كنتُ حزيناً جدّاً لأنَّ مشهد بغداد قبيل العدوان عليها كان هو المشهد الأكثر
إلحاحاً عليَّ.