سعود قبيلات ▣
الحريَّة كلمة واحدة ولكنَّها تحمل مضامين متناقضة؛ بعضها
زائف وبعضها حقيقي. ولذلك يصطفّ البعض تحت مسمّاها، زوراً وبهتاناً، مع أميركا
و"إسرائيل"، بسجلّ انتهاكاتهما الذي لا يتفوّق عليه أحد، وحلف الأطلسيّ
وجميع دوله (ومِنْ ضمنها تركيا)، والسعوديَّة، وقطر، والإمارات، وأتباع أقلّ
أهميَّة مِنْ مثل سمير جعجع وسعد الحريريّ، والإسلام السياسيّ وما إلى ذلك.. أي،
باختصار، جميع أعضاء التحالف الذي كان معروفاً أيّام الحرب الباردة والذي عاد للاصطفاف
مع بعضه البعض مِنْ جديد؛ بينما يصطفّ، في المقابل، تحت المسمّى نفسه، قوى اليسار،
والقوى الوطنيَّة ذات التوجّه الاستقلاليّ، والديمقراطيَّات الجديدة في أميركا
اللاتينيّة ذات الطابع الاجتماعيّ المعادي للرأسماليَّة والإمبرياليَّة وعلى رأسها
قادة أحرار مِنْ مثل شافيز وأورتيغا وموراليس وسواهم، والثورات القديمة وعلى رأسها
كوبا وكاسترو، ومع جميع البلدان والحركات المعادية للإمبرياليَّة.. أو حتَّى المعارضة
للهيمنة الأحاديَّة لحلف الأطلسيّ وللولايات المتّحدة تحديداً، وقوى المقاومة
العربيَّة وعلى رأسها "حزب الله".. الخ.
وإلا ما ندر، فقد اختار كلّ واحد من الناس الصفّ الذي
يصطفّ فيه، والأهداف التي يعمل مِنْ أجلها؛ ولذلك يرى البعض مشكلة الحريَّة، حصراً
في سوريا، ولا يراها في البحرين، ولا في السعوديَّة، والإمارات، واليمن، والسودان،
وجميع الدول العربيَّة، وفلسطين المحتلّة؛ وحتَّى إنْ ادّعى أنَّه يراها في تلك
البلدان فإنَّه لا يستطيع أنْ ينكر أنَّه يغضّ النظر عنها؛ بينما يرى الآخرون
أنَّه لا صدقيَّة للحديث عن غياب الحريَّة إذا لم يشمل جميع البلدان التي تفتقر
إليها، على قدم المساواة، مع عدم إغفال بُعدي التحرّر الوطنيّ والعدالة
الاجتماعيَّة؛ لأنَّه لا حريَّة ولا ديمقراطيَّة بدون هذين البعدين.
ومَنْ كان مخدوعاً في السابق فقد زالت عن عينيه الغشاوة
بعد الموقف المخزي للجامعة العربيَّة الذي اتّخذ بإملاءاتٍ علنيَّة مِنْ واشنطن
وباريس وسواهما؛ وبعد دعوة الأخوان المسلمين العلنيَّة للاعتراف بـ"مجلس
اسطنبول الانتقاليّ" الموالي للدوائر الإمبرياليَّة ومطالبتهم بأنْ تحتلّ
تركيا (عضو الأطلسيّ) مدينة "حلب" السوريَّة وتقيم فيها منطقة عازلة! ويعد
الصفقة المكشوفة التي عقدها هؤلاء مع المجلس العسكريّ في مصر ومع الأميركيين،
لتقاسم السلطة، ومصادرة الثورة وإجهاضها. وبعد كلّ هذه التحرّكات العلنيَّة
والمحمومة التي تقوم بها الحكومات الإمبرياليَّة مِنْ أجل إعداد المسرح الدوليّ
والإقليمي للعدوان على سوريا.
وخلال الأيَّام الماضية رأينا الكثير من الناس يفتحون
عيونهم على المخاطر المحدقة والترتيبات المشبوهة على مستوى المنطقة وعلى مستوى
العالم، ويغيِّرون مواقفهم بصورة جذريّة بناء على ذلك.
لا عذر لأحدٍ الآن؛ فإذا وقعت الواقعة ونفّذ
الإمبرياليون والصهاينة وعملاؤهم مخطّطاتهم بغطاء رسميّ عربيّ، فإنَّ كلّ مَنْ
يلتزم الصمت يتحمّل المسؤوليَّة كاملةً عن الكارثة التي ستحلّ بالمنطقة كلّها مِنْ
جرَّاء ذلك، وستطال كلّ واحد منّا بصورة شخصيَّة.