سعود قبيلات ▣
صادف يوم السبت الماضي الثامن مِنْ آذار، يوم المرأة العالميّ. لقد تكرّس
هذا اليوم كيوم عالميّ للمرأة نتيجة نضالات طويلة ومتواصلة للمرأة في مختلف أنحاء
العالم، بقيادة نساء مناضلات باسلات كرَّسنَ حياتهنّ لقضيَّة المرأة.
فمن المعلوم أنَّ الرأسماليَّة المتوحّشة في القرنين الثامن عشر والتاسع
عشر، شجَّعتْ على خروج النساء من المنازل، ولكن ليس باتِّجاه تحقيق حريَّتهن
وإنسانيَّتهن وإنَّما لاستغلالهنّ بشكلٍ بشع في المعامل. وهكذا تشكّلتْ منذ أواسط
القرن التاسع عشر، في صفوف النساء العاملات، خصوصاً في أوروبّا وأميركا
الشماليَّة، حركة نسائيّة عماليّة مناضلة تطالب بتحسين شروط عمل المرأة والاعتراف
بحقوقها الإنسانيّة الأساسيّة ومِنْ ضمنها حقّها بالمشاركة في الانتخاب، على سبيل
المثال. وقد كان مِنْ أبرز هذه النضالات انتفاضة النساء العاملات في أحد مصانع
النسيج الضخمة في نيويورك في الولايات المتّحدة، وكان ذلك في الثامن مِنْ آذار عام
1857، حيث خرجن بالآلاف إلى الشوارع وطالبن بحقوقهنّ.
وفي عام 1910 طالبتْ المناضلة الثوريّة الألمانيّة كلارا زيتكن، في المؤتمر
النسائيّ العالميّ الذي عُقد في كوبنهاجن بالدانمارك، بتخصيص يوم عالميّ للمرأة،
واقترحتْ أنْ يكون هذا اليوم هو الثامن مِنْ آذار مِنْ كلّ عام، أيّ في اليوم نفسه
الذي انطلقتْ فيه انتفاضة عاملات النسيج في نيويورك عام 1857. وقد تمَّ إقرار هذا
الاقتراح مِنْ قبل المؤتمر، وكانت مِنْ بين النساء اللواتي دعمنه، ألكسندرا
كولنتاي، المناضلة الثوريّة الروسيّة (السوفييتيّة فيما بعد) التي أصبحتْ أوَّل وزيرة
في العالم في العصر الحديث عندما شاركتْ في الحكومة السوفييتيّة الأولى التي
تشكّلتْ بعد انتصار الثورة برئاسة لينين. وقد اشتهرتْ كولنتاي بمناصرتها لما سمّي
بـ"الحبّ الحرّ" وهو الأمر الذي كان موضوعاً بارزاً للخلاف بينها وبين
لينين وعدد مِنْ قادة الثورة الآخرين، كما اشتهرتْ بكتاباتها حول المرأة والطبقة
العاملة والاقتصاد، وإضافة إلى هذا فإنّ لها رواية جميلة بعنوان "حبّ عاملة
النحل"، ترجمها مؤنس الرزّاز في الثمانينيّات ونُشرتْ في بيروت.
تمّ الاحتفال بيوم المرأة لأوّل مرّة في العام التالي (1911) في كلّ من
الدنمارك وألمانيا والنمسا وسويسرا. ولكنّ، فيما بعد، كانت مواعيد الاحتفال تختلف
مِنْ دولة إلى أخرى وإنْ ظلّتْ محصورة في الفترة الواقعة ما بين أواخر شباط ومنتصف
آذار، إلى أنْ تمَّ توحيد يوم الاحتفال في أوّل مؤتمر للاتِّحاد النسائيّ
الديمقراطي العالميّ الذي عُقد في باريس عام 1945 على إثر انتهاء الحرب العالميّة
الثانية.
وعام 1975 أُحتُفِلَ بالسنة الدوليّة للمرأة. ثمّ بعد ذلك بسنتين (1977)
قرّرتْ الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة اعتبار الثامن مِنْ آذار يوماً للاحتفال
بحقوق المرأة والسلام العالميّ.
أردتُ مِنْ هذا كلّه أنْ أبيّن الشوط الطويل الذي قطعه نضال المرأة منذ
أواسط القرن التاسع عشر وحتّى الآن. ولكن رغم الكلام الكثير عن المرأة وحقوقها في
السنوات الأخيرة، فقد شهدتْ قضيّتها انتكاسات كبرى في ظلّ سعي النظام الرأسماليّ
الدوليّ إلى إعادة إحياء نمط الرأسماليّة المتوحّشة وما ترتّب عليه مِنْ تراجع
حقوق العاملين وسواهم من الفئات المستضعفة، إضافة إلى ما ترافق معه ونشأ عنه مِنْ
ردّة فعل نكوصيّة، في بعض بلدان العالم الثالث وخصوصاً في العالم العربيّ، تمثّلتْ
في استعادة بعض أنماط التفكير والتقاليد ما قبل الرأسماليّة بشأن المرأة وسواها.
إلا أنّني أريد أنْ أستدرك هنا فأتطرّق إلى جانب إيجابيّ يتعلّق بالمرأة
الكاتبة في بلادنا؛ ففي العقدين الأخيرين تزايد عدد الكاتبات بصورة ملحوظة
وتميّزتْ مِنْ بينهنّ العديدات بنوعيّة كتابتهنّ وازداد دورهنّ بشكل ملموس في
الحياة الثقافيّة المحليّة والعربيّة. وقد أشار نُقّاد عديدون في كتاباتهم إلى هذه
الظاهرة الإيجابيّة الملفتة وحاولوا تفسيرها وفهمها. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى
فوز كاتبتين معاً، لأوّل مرّة، في عضويّة الهيئة الإداريّة الحاليّة لرابطة
الكتّاب الأردنيّين.
(مقال نُشِرَ قبل سنوات)