سعود قبيلات ▣
الهجوم المتتابع، على شباب الحراك الشعبيّ في المحافظات،
مريب، وغير مفهوم، ولا مبرَّر له، وليس فيه أيّ مصلحة للبلاد وأمنها واستقرارها.. ابتداءً
بالهجوم على شباب الحراك في الطفيلة واعتقال بعض نشطائه، وانتهاءً - حتَّى الآن -
بالهجوم على الشباب الذين اعتصموا على الدوّار الرابع، يوم أمس الأوَّل، واعتقال
بعضهم.
فهذا الحراك سلميّ، تماماً، ومسؤول، ومنضبط، وتقتصر
أساليبه على التجمّع والتظاهر، ومطالبه عادلة ومشروعة.. سقفها إصلاح النظام
وتطويره؛ ومحرِّكاته موضوعيَّة محليَّة وليس له أيّ ارتباطات خارجيَّة. ومِنْ
ناحية أخرى، فالوضع في البلاد صعب للغاية؛ حيث القاعدة الاجتماعيَّة للنظام
تخلخلتْ بفعل السياسات الليبراليَّة الجديدة المتوحِّشة. ودرجة التوتّر، لدى
الناس، عالية ومتزايدة، وليس هناك ما يحول دون
تحوّلها إلى مسارات غير محمودة سوى وعي هؤلاء الشباب القائمين على الحراك،
الذين يتصرّفون بمسؤوليَّة كبيرة وضبط نفس شديد؛ حرصاً منهم على بلدهم، ولوعيهم
بالمخطَّطات الخارجيَّة الخطيرة التي تُدبَّر له. لذلك، فإنَّ الوضع لا يحتمل مثل
هذه المعالجات الصداميَّة النزقة، التي، إذا أحسنَّا الظنّ بمدبِّريها، نقول
إنَّها غير مدروسة وتفتقر إلى بعد النظر والحصافة.
ومع أنَّنا لا نعرف من هو المسؤول، بالتحديد، عن هذا
التوجّه الذي ينذر بمخاطر جمَّة على أمن البلاد واستقرارها ومستقبلها، فإنَّنا لا
نستطيع أنْ نبرِّئ الحكومة مِنْ هذه المسؤوليَّة، بوصفها "حكومة الولاية
الدستوريَّة"، كما أشاعت عن نفسها؛ ثمَّ بسبب السياسات المريبة التي تتَّبعها
بالتحالف مع الإسلاميين؛ ومفتتحها، إخراج قانون انتخابٍ يستجيب للمطالب
الأميركيَّة الرامية إلى تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة على الأرض الأردنيَّة.
الناس في حالة احتقان متفاقمة، بسبب الأحوال المعيشيَّة
الصعبة التي تتزايد صعوبتها ولا تلوح آفاق واضحة لانفراجها؛ ولرؤيتهم، في المقابل،
مظاهر الثراء الفاحش والسريع التي أصابت العديد مِنْ رموز الفساد؛ ولاستمرار
السياسات الاقتصاديَّة الجائرة، نفسها، التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع المتردِّي؛
واستمرار تهميشهم وإقصائهم عن آليَّات اتِّخاذ القرار. وحتَّى الآن لم تتقدَّم الحكومة
خطوة عمليَّة جادَّة واحدة باتِّجاه إصلاح النظام وتغيير أساليب الحكم التي لم تعد
تلائم الظروف الراهنة. فأقلّ القليل، إذاً، مِنْ ردِّ الفعل الطبيعيّ المتوقَّع من
الناس تجاه مثل هذه الأحوال الصعبة، هو أنْ يجهروا برفضهم لها، ومطالبتهم بإنهائها،
عن طريق أساليب الاحتجاج المدنيّ السلميَّة، هذه، التي يتَّبعونها الآن.
وإذا كان مَنْ يخرجون في هذه الاعتصامات والمظاهرات هم -
حتَّى الآن - عدد قليل نسبيّاً من الناس، فإنَّ هذا لا يعني أنَّ مَنْ لم يخرجوا،
بعد، راضون عن الأوضاع وغير متَّفقين مع الذين يخرجون. فالاحتقان عامّ ومتفاقم - كما
أشرتُ - ولا يحتمل أيَّة خطوة خاطئة أو تصعيديَّة متهوِّرة. فمثل هذه الخطوة، التي
قد تُتَّخذ بقرار غير مدروس ولا ينمُّ على وعي كافٍ، قد تفتح الأبواب على تداعياتٍ
خطيرة لا يمكن ضبطها والتحكّم بها. وعندئذٍ، فلن يستفيد مِنْ ذلك سوى الأعداء،
الذين يمتلكون - بلا شكّ - سيناريوهاتهم الجاهزة المختلفة، المدروسة بدقّة،
للتعامل مع مثل هذا الوضع وتوظيفه لصالح مخطَّطاتهم الخطيرة التي يدبِّرونها ضدَّ
بلدنا وشعبنا.
واضح أنَّ الحكومة أصبحتْ في الفترة الأخيرة تجاهر بعدائها
للحراك الشعبيّ في المحافظات، وتسعى إلى ضربه، والاصطدام به؛ بعدما كانت قد واجهته
في البداية بالاستهانة والإنكار. ولا يمكن تفسير هذا السلوك المريب إلا بأنَّه،
أوّلاً، محاولة بائسة للتستّر على بعض الفاسدين المتنفِّذين، وإسكات الناس عن فضحهم
والمطالبة بإخضاعهم للمحاسبة القانونيَّة واسترداد أموال الدولة وممتلكاتها منهم؛ وأنَّه،
ثانياً، محاولة مكشوفة لإزاحة الحراك الشعبيّ في المحافظات، مِنْ طريقها (أي
الحكومة)؛ كي يسهل عليها تنفيذ تفاهماتها المرفوضة مع حلفائها الإسلاميين، وفرضها
على الجميع.
لذلك، فالمطلوب، الآن، أنْ يستمرَّ شباب الحراك بضبط نفسه،
في فعاليَّاته السلميَّة المشروعة والمحقَّة؛ وأنْ يسانده، في ذلك، كلُّ الغيورين
والمخلصين، من القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة الفاعلة.