سعود قبيلات ▣
|
صورة التقطتُها في ميدان التحرير بُعيد سقوط مبارك.. تكشف
علوّ أحلام شباب الثورة آنذاك قبل تبديدها من "الإخوان المسلمين" |
عشيَّة الثلاثين مِنْ حزيران (يونيو) - يومنا هذا الذي لا أتوقّع أنْ يكون ما بعده مثل
ما كان قبله - كثُرَ مدّعو التعقّل والخوف على مصر. الخوف عليها مِنْ ماذا؟ من
الشعب الذي بدأتْ جموعه تزحف إلى الميادين منذ يومين لتستردّ السياق الثوريّ لانتفاضته
المسروقة.. أعني انتفاضة الخامس والعشرين مِنْ كانون الثاني (يناير) المجيدة؟
لم يبدِ هؤلاء تخوّفاً أو قلقاً عندما رفض المتأسلمون
مبدأ التوافق على وثيقة تأسيسيَّة فوق دستوريَّة (ماغناكارتا)، كما هو معتاد في
كلّ بلد يخرج شعبه إلى الشوارع مطالباً بالتغيير وينجح في إسقاط حكّامه. ولم يتخوَّفوا،
كذلك، مِنْ نتائج إصرار المتأسلمين (بالاتّفاق مع المجلس العسكريّ، آنذاك) على قلب
العمليَّة السياسيَّة رأساً على عقب: انتخاب مجلس أمّة، ثمَّ انتخاب رئيس، ثمَّ
صياغة دستور جديد! أي إفراز مؤسَّسات الدولة الأساسيَّة بشروط الوضع السابق، ثمَّ
إطلاق يد التيَّار الفائز في الانتخابات ليرسم قواعد اللعبة السياسيَّة منفرداً
وعلى مقاس مصالحه؛ كي يقول، للأطراف الأخرى، بعد ذلك: تعالوا نلعب معاً.. لكن
بشروطي وعلى ملعبي. فإذا اعترض أحدهم أو قال كاني ماني، يقول له: هذه هي
الديمقراطيَّة وعليك أنْ تلتزم بشروطها!
وزاد الطين بلّة أنَّ التيَّار الذي فاز في ظلّ ظروف
خاصَّة جدّاً، وبالاستناد إلى شروط غير ديمقراطيَّة فُرِضَتْ على الشعب المصريّ
فرضاً، رأى أنَّ فوزه يمنحه حقّاً مطلقاً ليبني قواعد هيمنته الكاملة والنهائيَّة
على كلّ مفاصل الدولة، وأنْ يعيد صياغة حياة المجتمع، بمجملها وبتفاصيلها، وفق
معتقداته الضيِّقة ومصالحه الأنانيَّة، بتفاهمٍ تامّ مع الأميركيين
و"الإسرائيليين" وبدعمٍ سخيّ وثابت من المشيخات النفطيَّة. في حين تبقى
القضايا المعاشيَّة والسياسيَّة الأساسيَّة، التي ثار الشعب المصريّ أصلاً مِنْ
أجل تغييرها، كما هي.
والآن، يأتي مدّعو التعقّل المفاجئ ليحذّروا مِنْ مغبَّة
المخاطر التي يمكن أنْ تحدث بسبب خروج الشعب إلى الشوارع لتحصيل حقوقه ولاسترداد
مساره الثوريّ. لسان حال هؤلاء يقول: فليبقَ كلُّ شيءٍ على حاله، وليستمرّ
"الإخوان المسلمون" في تنفيذ خططهم الاستبداديَّة الرجعيَّة إلى أنْ
يحقِّقوا مآربهم، وليزداد نهج التبعيَّة للإمبرياليَّة الأميركيَّة رسوخاً
وتعمّقاً؛ فهذا أفضل لمصر وهو الذي يخدم مصالحها! ما الذي يبقى، عندئذٍ، مِنْ
مصر.. هذه التي يتصنّعون الحرص على مصلحتها والخشية عليها؟ إنَّهم، في الحقيقة،
يخشون منها وليس عليها.
على أيَّة حال، الشعب المصريّ ليس ساذجاً (أو طارئاً) لينخدع
بمثل هذه الأصوات المخاتلة التي هبطتْ عليها الحكمة على حين غرّة.