سعود قبيلات ▣
يخرج لنا، مِنْ حينٍ لحين، مَنْ يعبِّر عن استغرابه
لتأييدنا لهذه الانتفاضة الشعبيَّة أو تلك بينما نحن نرفض ما يسمّيه "الثورة
السوريَّة"؛ ناسياً أنَّه، باستثناء وقوفه إلى جانب ثورته المزعومة، تلك، رفض
(ويرفض) كلّ حركة شعبيَّة تكون موجَّهة ضدّ أيّ طرف مِنْ أطراف الحلف الأميركيّ –
الأطلسيّ – الرجعيّ وتوابعه (الداعم لثورتهم السوريَّة) في كلّ مكان من العالم.
فهذا هو موقفهم، على سبيل المثال، من انتفاضة شعب البحرين، ومن انتفاضة شعب مصر
الآن، ومن انتفاضة شعب تونس غداً، ومن انتفاضة شعب تركيا أمس واليوم وغداً، ومن
دول أميركا اللاتينيَّة المتحرِّرة من ربقة الإمبرياليَّة الأميركيَّة ما دامت
محتفظة بهويَّتها الثوريَّة الحقيقيَّة.
على أيَّة حال، هذه هي الثورات والحركات التي نقف معها نحن
وندعمها ونبني آمالنا عليها. أمّا "الثورة السوريَّة" فنتركها لكم، بطيب
خاطر؛ كما نترك لكم فوقها (على البيعة) "الثورة الليبيَّة" أيضاً.
من الطبيعيّ، لمن يعتقد أنَّه يمكن أنْ تقوم ثورة برعاية
حكّام قروسطويين مستبدّين، مثل الحمدين الآفلين وسعود الفيصل وأمثاله ممَّن هم على
طريق الأفول، وبدعم حلف الأطلسيّ وعبيده وأتباعه (وليس ضدّ هؤلاء جميعاً).. ثورة يكون
لُحمتها وسداها "الإخوان المسلمون" وتفريخاتهم الوهَّابيَّة الظلاميَّة..
من الطبيعيّ، لمثل هذا، أنْ يستغرب لماذا ندعم انتفاضة الشعب المصريّ، الآن، ونقف،
مع ذلك، ضدّ ما يسمِّيه "الثورة السوريَّة".
إمّا أنْ يكون هؤلاء على درجة كبيرة من الجهل والغباء بحيث
أنَّهم لا يعرفون البوصلة السياسيَّة التي تستهدي بها دائماً القوى اليساريَّة
والقوميَّة، أو أنَّهم يستهينون بعقول الناس ويحاولون التذاكي عليهم.. وبالنتيجة،
لا يضحكون إلا على أنفسهم، كما أنَّهم يؤكِّدون تدنّي مستوى ذكائهم مقارنةً مع كلّ
مَنْ حاولوا التذاكي عليهم.
بوصلتنا هي العداء للإمبرياليَّة والصهيونيَّة
والرجعيَّة؛ وهذه البوصلة توجّهنا نحو طريق الديمقراطيَّة الشعبيَّة والعدالة
الاجتماعيَّة والتنمية الوطنيَّة المستقلَّة ورفض التبعيَّة وإملاءات صندوق النقد
الدولي والسياسات الليبراليَّة المتوحِّشة. وأكثر مِنْ ذلك، فنحن لا نخفي
تحيّزاتنا وتحالفاتنا المبنيَّة على رؤيتنا، تلك، ولا نخجل بها. أمَّا أنتم
فتزعمون أنَّ بوصلتكم هي الحريَّة (حريَّة.. حريَّة)، وتتحالفون مِنْ أجل تحقيقها
مع الإمبرياليَّة الأميركيَّة وسائر دول الأطلسيّ والرجعيَّة العربيَّة والدول
التابعة؛ لكنَّكم تنكرون تحالفاتكم تلك، باستمرار؛ لأنَّكم تخجلون بها ولا
تستطيعون أنْ تصارحوا الناس بحقيقتها. ومِنْ موقعكم، هذا، ترفعون شعار الحريَّة
مِنْ دون أنْ يكون لديكم برنامج لمواجهة معضلات التفاوت الطبقيّ والظلم الاجتماعيّ
والتبعيَّة. ما يعني أنَّ الحريَّة لن تكون فعليَّة، في هذه الحالة، إلا لرأس
المال الكبير، مقابل كونها مفهوم مجرَّد فقط بالنسبة للغالبيَّة العظمى من الناس. إنَّها
قسمة ضيزى لا ينتج عنها، بالحقيقة، سوى شريعة غاب وحشيَّة مقوننة، تبيح للقويّ أنْ
يأكل الضعيف مِنْ دون أيّ تأنيب للضمير، وإذا ما دافعت الضحيَّة عن نفسها، اُعتُبِرَتْ
خارجةً على القانون واستحقَّت العقاب.
مع ذلك، سنحاول أنْ نعتبر أنفسنا جزءاً من المغفَّلين
والمضلَّلين الذين يصدِّقون أنَّكم تنشدون الحريَّة فعلاً؛ فنسأل ببراءة: لماذا
تتحمَّسون لانتزاع الحريَّة بالسلاح والعنف وبمقاتلين متعدّدي الجنسيَّات في
سوريَّة، في حين أنَّكم تقفون ضدّ حقّ الشعب المصريّ في انتزاع حريَّته بالاحتشاد
السلميّ في الميادين بعشرات الملايين؟