أستطيع أنْ أفهم "الإخوان المسلمين"؛ فهؤلاء لهم مشروعهم المعروف وتحالفاتهم القديمة الجديدة؛ وقد وقفنا (نحن اليساريين والقوميين، وهم)، في خندقين متقابلين، في الموقف مِنْ حلف بغداد الاستعماريّ الذي حاولت الولايات المتَّحدة فرضه على المنطقة في خمسينيَّات القرن الماضي؛ وفي الموقف من العدوان الثلاثيّ على مصر الناصريَّة، في الفترة نفسها؛ كما أنَّهم وقفوا ضدّ حكومة سليمان النابلسيّ (اليساريَّة القوميَّة) المنتخبة وأيَّدوا الانقلاب عليها؛ ووقفوا ضدّ المقاومة الفلسطينيَّة، وكانوا، في الستينيَّات والسبعينيَّات.. وحتَّى الثمانينيَّات، يسمّون مَنْ يُقتل مِنْ أبنائها في مواجهة "إسرائيل"، "فطائس".. أمَّا الشهداء فكانوا، بالنسبة لهم، هم فقط أولئك الذين يُقتلون، في "الجهاد" الأميركيّ في أفغانستان، المدعوم من السي. آي. أيه والدوائر الأطلسيَّة والأنظمة الرجعيَّة التابعة، ضدَّ السوفييت وحكومة أفغانستان التقدّميَّة. ومِنْ تجربتي الشخصيَّة، عندما كنّا طلّاباً في الجامعة الأردنيَّة ووقفنا ضدَّ اتّفاقيَّات "كامب ديفيد"، ونظمَّنا مظاهرات طلَّابيَّة واسعة ضدَّها، أذكر أنَّهم وقفوا ضدَّنا أيضاً وحاولوا كسر تحرّكنا؛ لكنَّهم لم ينجحوا في ذلك، آنذاك؛ لأنَّهم كانوا أقليَّة قليلة وكنّا أكثريَّة كاسحة. ولقد وقفنا ضدَّهم عندما شنّوا، في أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، هجمتهم العنيفة على سوريَّة.. المتَّسقة مع هجمة كامب ديفيد الاستسلاميَّة في أواخر السبعينيَّات، ومع مبادرة الملك فهد التفريطيَّة في قمَّة فاس في أوائل الثمانينيَّات.
وإزاء ذلك، لا أملك إلا أنْ أتساءل: هل يتبنَّى هؤلاء (المش إخوانيين) المشروع السياسيّ "الإخوانيّ" القائم على توظيف الدين لأغراض حزبيَّة.. الذي يحلم أصحابه بأنَّه سيعيد الناس للعيش في ظلّ قيم القرون الوسطى وثقافتها ويحوّلهم إلى مجرَّد "رعايا" مستسلمين لمبدأ "السمع والطاعة" الذي يخضع له أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"؟ هل هم مع خيارات "الإخوان" السياسيَّة القائمة على احتكار السلطة، وإقامة دولة ثيوقراطيَّة استبداديَّة، ومدّ عمر أنظمة التبعيَّة، والاندراج ضمن خطط وسياسات الإمبرياليَّة الأميركيَّة وحلف الأطلسيّ وتوابعهم؟ هل هم مع سياسات "الإخوان" الاجتماعيَّة الاقتصاديَّة القائمة على مبادئ الليبراليَّة المتوحِّشة، ومواصلة الاقتراض مِنْ صندوق النقد الدوليّ والخضوع لإملاءاته؟ إذا كانوا يتبنّون ذلك المشروع ويؤيّدون تلك السياسات، فيمكن أنْ نفهم موقفهم عندئذٍ.. حتَّى إنْ كنّا لا نتَّفق معه؛ أمَّا إذا كانوا يزعمون خلاف ذلك، فإنَّه يصعب فهمهم أو تفهّمهم. والسؤال الموضوعي الذي يبرز في كلّ الأحوال، هو: ما القضيَّة التي يتبنَّاها هؤلاء؟ وفي خدمة مَنْ (وماذا) يعملون؟
مشكلة ان تغرق سفينة مثقف ويخشى على حذائه من البلل.
ردحذف