سعود قبيلات ▣
أصدر «الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين» بياناً نعى
فيه قادة «حركة أحرار الشام الإسلاميَّة»، الذين قُتلوا قبل أيَّام بانفجارٍ ضخم
استهدفهم لدى اجتماعهم في إحدى قرى ريف إدلب. ومِنْ ضمن الذين قُتِلوا بذلك الانفجار، أمير
«الحركة» حسَّان عبّود المعروف بأبي عبد الله الحمويّ.
وطالب «الاتّحاد»، في بيانه،
«جميع المجاهدين» على أرض سوريَّة
بالتوحّد في وجه «النظام المعتدي الدمويّ»، فلا فرقة تأتي بالنصر المبين (حسب
قوله).
وتجدر
الإشارة، هنا، إلى أنَّ «حركة أحرار الشام الإسلاميَّة» هي ركن أساسيّ في
المجموعات المسلَّحة التي تقاتل في سوريَّة. وممَّا يعطي صورة واضحة عن هويَّتها
وطبيعة المشروع الذي تقاتل مِنْ أجله، قول قائدها (الحمويّ) إنَّ الكتائب التي
يقودها تضمّ شبّاناً «قد يكون عندهم تقصيرٌ في بعض الصفات الإسلاميَّة مثل التدخين
والتقصير في أداء صلاة الجماعة والاستماع إلى الأغاني»!
جاء ذلك في معرض محاولته تقديم حركته بأنَّها حركة «معتدلة»! والحقيقة أنَّها تقف على رأس الفريق
الذي يحظى برضا الولايات المتّحدة وقطر وتركيا، ويصنِّفها هؤلاء ضمن ما يسمّونه «المعارضة
المعتدلة» التي يقولون إنَّهم سيستمرّون في دعمها.. رغم انكشاف الصورة القبيحة
للإرهاب التكفيريّ الدمويّ في العراق وسوريَّة ومصر وليبيا وسواها.
ولقد ذكَّرني كلام هذا
«المعارض المعتدل» بقصيدة مظفَّر النوَّاب الشهيرة، التي قالها في أواسط
سبعينيَّات القرن الماضي، وأشار فيها إلى «سلطان وطنيّ جدّاً»..
«لا تربطه رابطة
ببريطانيا العظمى
وخلافاً لأبيه ولد المذكور من المهد
ديمقراطيّاً
ولذلك تسامح في لبس النعل.. ووضع
النظارات
فكان أن اعترفت بمآثره الجامعة العربيَّة
يحفظها الله»
ثمَّ يقول، فيها،
أيضاً:
«ومَنْ لا
يعرف أنَّ الشركات النفطيَّة في الثكنات
هناك يراجع قدرته العقليَّة..»
ويقول أيضاً:
«ماذا يُدعى
أخذ الجزية في القرن العشرين؟»
كما أنَّه قال، قبل ذلك:
«ماذا يدعى أنْ تتقنع
بالدين وجوه التجار الأمويين؟»
وتعتمد «حركة
أحرار الشام الإسلاميَّة»، في تمويلها، بالإضافة إلى الدعم القطريّ التركيّ، على
نهب بعض البنوك السوريَّة، مثل فرع البنك المركزيّ في الرقَّة الذي يُقال أنَّه
كان يحوي ما بين 4 و6 مليارات ليرة سوريَّة عند وضع يدها عليه. كما أنَّ سيطرتها
على بعض المعابر الحدوديَّة توفِّر لها مصدراً آخر مهمّاً للتمويل. حيث من المعروف
أنَّها تسيطر على اثنين من المعابر الحدوديَّة مع تركيا (معبر باب الهوى في إدلب
ومعبر تل أبيض في الرقّة). وفي هذا المعبر الأخير (تل أبيض) تتقاسم «الحركة» الأموال
المتحصِّلة منه مع «داعش»، وذلك في إطار تسوية تمَّت بين الطرفين بعد صراعٍ عنيفٍ
دار بينهما على الغنائم.
كما حظيت الحركة بتمويل من «الهيئة الشعبيَّة الكويتيَّة» التي يرأسها
«الشيخ حجاج العجميّ». بيد أنَّ الدور الأساسيّ في دعمها كان لقطر وتركيا اللتين
قدَّمتا لها أيضاً دعماً عسكريّاً نوعيّاً. وقد حظيت، كذلك، بحصة الأسد من
الصواريخ الأميركيَّة، التي عُرِفَتْ بـ«صواريخ الكونغرس» لأنَّ الكونغرس اتّخذ قرار
تمريرها إلى ما أسماه «المعارضة السوريَّة المعتدلة».
وللحركة علاقات قويَّة جدّاً مع «جبهة النصرة»، الجناح الآخر
لـ«القاعدة». وقد خاضت أغلب عمليَّاتها العسكريَّة الكبرى بالتعاون معها. وكان
«الحمويّ» (قائد حركة أحرار الشام الإسلاميَّة) قد قال عن هذه العلاقة: «جبهة
النصرة ككلِّ المكونات الموجودة، تعاملنا معها على أساس أنَّ هناك هدفاً مرحلياً
نسعى جميعاً لتحقيقه وهو إطاحة هذا النظام.. وعليه فقد قمنا بعمليّاتٍ عسكريّةٍ مشتركةٍ
عديدةٍ ورأينا منهم صدقاً في العمل وثباتاً وبسالةً فلم يمنعنا ما جرى مثلاً من
تصنيف أميركا من العمل .. معهم». وهذا أيضاً لم يمنع أميركا وأتباعها في المنطقة
مِنْ مواصلة توفير الدعم لـ«الحركة».
ومِنْ ناحية أخرى، لا اعتراض لـ«الحركة» على
إعلان «البغداديّ» «الخلافة» سوى أنَّ هذا الإعلان «لم يجمع المتفرّقين ولا ألّف بين
المتنازعين» (المقصود، طبعاً، بالمتنازعين والمتفرّقين، المجموعات الوهَّابيَّة
المسلَّحة)، مع تأكيدها على «أنَّ قيام دولةٍ إسلاميّةٍ راشدةٍ تقيم العدل والقسط
بين رعايانا هدفٌ نسعى إليه بوسائلَ مشروعةٍ، ونراعي في ذلك مقتضيات الوضع وحالة
الأمة المغيبة عن دينها في هذا البلد طوال نصف قرنٍ من الزمان».
ويسترشد قادة «أحرار الشام الإسلاميَّة» بالأفكار السلفيَّة
المتشدِّدة لابن تيمية وابن قيِّم الجوزيَّة ومحمَّد بن عبد الوهَّاب، بل إنَّ
بعضهم يعلن أنَّه وهَّابيّ. كما أنَّ إحدى أكبر كتائب «حركة الفجر الإسلامية» (العضو
في «حركة أحرار الشام الإسلاميَّة»)، تُدعى «كتيبة ابن تيمية».
على أيَّة حال، وقَّع بيان النعي الذي بدأنا حديثنا به،
كلٌّ مِنْ: الدكتور يوسف القرضاويّ، رئيس «الاتِّحاد العالميّ لعلماء المسلمين»؛ والدكتور علي القره داغي، الأمين
العامّ لـ«الاتِّحاد». وكلاهما يحمل الجنسيَّة القَطَريَّة ويعمل في قطر.
الشركات النفطيَّة ليست في الثكنات فقط، كما سبق لمظفَّر
النوَّاب أنْ قال؛ بل هي أيضاً في أردية بعض رجال الدين؛ مع ألأسف!