
العلاقة بين واشنطن وأتباعها هي نظام عسكريّ صارم؛ حيث تجب على المرؤوس طاعة الرئيس بلا جدال.. حتَّى لو كان تنفيذه لأوامر رئيسه يعني هلاكه. ولا يشذّ عن هذه الصيغة حتَّى حلفاء واشنطن في العواصم الأوروبيَّة الاستعماريَّة العريقة.
وقد صدع الأتباع، آنذاك، في مختلف أنحاء العالم العربيّ، لهذا الأمر. وحتَّى أنور السادات الذي كان قد أعلن للتوّ أنَّ عهد الحروب قد انتهى وأنَّه آن الأوان لعهد السلام بين العرب وبين «إسرائيل» رأيناه يلحس كلامه هذا ويشارك في التعبئة والدعم والدعاية للحرب في أفغانستان!
وما إنْ تحقَّقت الأغراض التي كانت تنشدها واشنطن مِنْ تلك الحرب، وأصبح الذين أسماهم رونالد ريغان «المجاهدين مِنْ أجل الحريَّة» متعطِّلين عن العمل، وبدأوا يستديرون ببنادقهم نحو مشغِّليهم السابقين، حتَّى أصدرتْ واشنطن أوامرها بملاحقة هذه العناصر المتمرّدة وتأديبها وتصفية الخطرين منها. فكانت تلك بداية ما سمِّي «الحرب على الإرهاب».
ولكن، حتَّى في ظلّ بدء الحديث عن «الحرب على الإرهاب»، تمكَّنت واشنطن من استخدام الإرهابيين، باسم الإسلام أيضاً، لتمهيد السبل أمام حلف الأطلسيّ ليقوم بتفكيك يوغسلافيا.
ثمّ سرعان ما أصبح رأس «طالبان» مطلوباً مِنْ رعاتها السابقين. فواشنطن تستفيد بأدواتها الإرهابيَّة على الوجهين: أوّلاً بفعلها الإرهابيّ الموجَّه ضدَّ خصومها؛ وثانياً، ببعض رصاصاتها الطائشة التي تُوجَّه لها فتتَّخذها ذريعة لتحقيق بعض أهدافها ومآربها المبيَّتة.
وفي هذه الحالة، لا يكون «قصاصها» مقصوراً على مطلقي تلك الرصاصات، وحدهم، أو مَنْ قد تكون لهم علاقة بهم؛ بل يتعدَّاهم إلى مَنْ لا علاقة لهم بذلك. فعلى سبيل المثال، لم تكتفِ واشنطن، بعد حادثة تدمير برجي نيويورك التي اُتُهِمَتْ بها «القاعدة»، بغزو أفغانستان بذريعة ملاحقة الإرهاب والاقتصاص منه؛ بل احتلَّت العراق أيضاً بهذه الذريعة نفسها!
ولم يحل دون ذلك أنَّ «جبهة النصرة» و«داعش»، اللتين تدور الحرب عليهما الآن، كانتا هما العمود الفقريّ لقوى الإرهاب المقاتلة في سوريَّة؛ ولكن حين أصبحتْ فظائعهما تفوق كلّ إمكانيّات التستّر عليها، وتجاوزتْ أهدافهما المخطَّطات المرسومة لها، اختلقت واشنطن، بالتعاون مع السعوديَّة، ما سُمِّي «الجبهة الإسلاميَّة»، وصنَّفتاها على أنَّها معارضة معتدلة! مع أنَّ أفكار تلك الجبهة وممارساتها لا تختلف عن أفكار وممارسات «داعش» و«النصرة»؛ بل إنَّها، حتَّى هذه اللحظة، لا تزال تتحالف علناً مع «النصرة».
وفي الوقت نفسه، بدا واضحاً أنَّ مشروع تقسيم العراق الذي كان نائب الرئيس الأميركيّ جو بايدن قد طرحه، والذي كان رئيس الوزراء العراقيّ السابق (نوري المالكيّ)، مع كلّ عيوبه وسوءاته، قد رفضه، أصبح، على يد «داعش»، أمراً واقعاً؛ حيث أصبح العراق، تماماً كما خطَّط له بايدن، منقسماً إلى ثلاث أشلاء؛ أحدها شيعيّ، والآخر سنِّيّ، والثالث كرديّ.
وأتباع واشنطن (خصوصاً العرب منهم)، وحلفاؤها، يقفون معها في كلّ الأحوال وبكلّ شيء ولا يسألون؛ ولذلك، لا يهمّها أنْ تقول لهم، مرَّةً، إنَّ هذا الطرف «ثائر مِنْ أجل الحريَّة» فناصِروه، ثم لا تلبث أنْ تقول لهم إنَّه إرهابيّ فقاتِلوه، ثمَّ تعود فتقول لهم إنَّه «ثائر» فناصِروه.. الخ.
وهكذا..