برحيل
الرفيق اسحق الخطيب «أبو إسماعيل»، فقد الشيوعيون الأردنيون أحد أعلامهم البارزين
وإحدى الشخصيات القيادية التي كان لها أثر وتأثير في حياة حزبهم ووطنهم على امتداد
عقود طويلة.
رحل
اسحق الخطيب بعد مسيرة كفاحية طويلة وشاقة، كان خلالها، إلى جانب كوكبة من
القيادات والكوادر الشيوعية يصعب عدها وحصرها، أحد صناع إنجازات الحركة الشيوعيَّة
الأردنيَّة ومكاسبها السياسية والاجتماعية، وأحد أبرز المقاتلين بصلابة وبسالة من
أجل تعزيز دورها الكفاحيّ وترسيخه.
انحياز
أبي اسماعيل الجليّ والعميق للطبقات الشعبية والكادحة قاده لأن يتبنى عن وعي صادق
نظرية الاشتراكية العلمية ومنهجها المادي الجدلي الذي مكنه من إدراك أسباب معاناة
الفقراء والكادحين وسبل تخليصهم من بؤسهم وشقائهم.
في فترة مبكِّرة مِنْ حياته، انكب
أبو اسماعيل على دراسة وهضم كل ما أمكنه الوصول اليه من الأدب السياسي والفكري
الماركسي والتقدمي. وبالإضافة إلى هذه المعرفة النظرية الواسعة، استند في فهم
الواقع الملموس إلى الممارسة الكفاحيَّة من أجل تغييره.. التي خاضها من خلال الى
الحزب الشيوعي الأردنيّ الذي اعتقد أنه الأجدر للاضطلاع بمهة التغيير وانجازها.
وفي
الوقت ذاته، كان ابو اسماعيل معروفاً بنفوره من «تقديس» النص، والترديد الببغائي
لمقولات ماركس وانجلز ولينين لإثبات صحة هذا الموقف أو ذاك، دونما اعتبار للواقع
الملموس ومعطياته. وهو طالما كان يردد المقولة المأثورة «إن شجرة الحياة دائمة
الخضرة يا صاح». بمعنى أن الماركسية تفترض في الحزب الثوري إدراك العلاقة الجدلية
التي يجب أن تقوم بين النظرية وبين الممارسة العملية في سياق نشاطه من أجل التغيير
الجذري للمجتمع.
انتسب
أبو اسماعيل للحزب الشيوعي الأردني لتقديره أنه الحزب الذي يستطيع من خلاله أن
يمارس قناعاته الفكرية والسياسية على أرض الواقع، وأن يخوض غمار نضالٍ جماعيٍّ منظَّمٍ
من أجل أردن وطني متحرر من نير التبعية وديمقراطي يوفر للشغيلة بأدمغتهم وسواعدهم،
ولسائر الكادحين والعاملين بأجر وصغار الكسبة، الذين يشكلون غالبية المجتمع،
حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحرياتهم الديمقراطية، وكذلك
من أجل أنْ ينال الشعب الفلسطينيّ حقوقه العادلة في استرجاع وطنه السليب وعودته إليه
وتقرير مصيره فيه.
قبض
ابو اسماعيل على جمر قناعاته الفكرية وتمسك بعضويته في صفوف حزبه الشيوعي، كما
المئات من قادته وكوادره، غير آبه بقانون مكافحة الشيوعية سيء الصيت، وبسنوات
السجن الطويلة، والحرمان من حياة مستقرة في كنف أسرته. ولم تهتز قناعاته ولم تفتر
عزيمته بعد أن بدا واضحاً أن الطريق الذي يفضي إلى التغيير الجذري والأهداف
المنشودة ليس قصيراً كما اعتقد البعض في بداية المشوار، وكذلك بعد أن تفشت موجة من
الردة لدى الكثيرين اثر الانهيارات التي عصفت بالاتحاد السوفياتي وبمنظومة الدول
الاشتراكية. وكثيراً ما وقف خطيباً ومحاضراً ليدحض ويفنّد بأدلة دامغة ومقنعة
دعوات الارتداد عن الماركسية والانسحاب من صفوف الأحزاب الشيوعية واللجوء الى
تغيير أسمائها مشيراً إلى أن الخطأ لا يكمن في الماركسية بقدر ما يكمن في بعض،
وربما كثير من الماركسيين، الذين جردوها من جوهرها الثوريّ وامتهنوا منهجها المادي
الجدلي، وأغفلوا كثيراً من التحذيرات التي أطلقها المفكرون الماركسيون العظام، وخصوصاً
لينين. وظلّ يفعل هذا حتَّى السنوات الأخيرة من حياته؛ حيث أقعده المرض العضال عن
ممارسة دوره المعتاد.
قدر
الشيوعيون دائماً مواقف أبي اسماعيل ونضاله الوطني والطبقي، وسعيه مِنْ أجل
استعادة حزبهم لوحدته وتماسكه التنظيمي والفكري، وأحاطوه بقدر كبير من التقدير
والاحترام. تجلى ذلك في اختياره لأرفع المواقع القيادية الحزبية، وتكليفه بأدق
المهام التنظيمية والنضالية، ومنها قيادة «قوات الأنصار» في لبنان، وعضوية هيئة
تحرير «مجلة النهج» التي كانت ناطقة بلسان الأحزاب الشيوعية العربية، واختياره
لتمثيل الحزب في العديد من الندوات والمؤتمرات التي نظمتها الحركة الشيوعية
والعمالية العربية والعالمية. كما تجسد هذا التقدير في اختياره، الى جانب الرفاق القادة فؤاد نصار وفائق وراد ورشدي شاهين، عضواً في المجلس الوطني ولاحقا في المجلس
المركزي الفلسطيني تقديراً لدوره في الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينيَّة
العادلة، ودفاعه عن شرعية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب
الفلسطيني في أحلك الظروف عندما كان هذا الدفاع مكلفاً.
نم
قرير العين رفيقنا العزيز أبا اسماعيل، فمواقفك الكفاحية ودورك المشهود في حياة
الحزب والوطن والشعب ستخلد ذكراك العطرة في ضمائر ووجدان الشيوعيين الأردنيين أبد
الدهر، والحزب الذي انتسبت إليه، وكنت أحد قادته البارزين، أيًاً كانت الصعوبات
التي عاناها ويعانيها، لن ينساك، كما لن ينسى أمثالك من قادة وكوادر وأعضاء الحزب
الراحلين.
المكتب التنفيذي لاتّحاد الشيوعيين الأردنيين