سعود قبيلات ▣
ملايين الناس، في البلاد العربيَّة (وسواها)، حرصوا، قبل يومين، على أنْ يكونوا في أماكن فيها تلفزيون، وأـنْ لا ينشغلوا عن مشاهدة التلفزيون بأيّ أمر آخر؛ لا لشيء إلا ليسمعوا حسن نصر الله.
حسن نصر الله يمنحنا الأمل، ويجعلنا نشعر بالكرامة الوطنيَّة والقوميَّة. فهو إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، كما أنَّه ثابتٌ على مواقفه المبدئيَّة، مخلصٌ لأصدقائه وحلفائه (ولا يعقرهم من الخلف كما فعل ويفعل آخرون)، يعرف أصدقاءه مِنْ أعدائه جيّداً، وينظر إلى البعيد دائماً.. فيرى ما هو في صالح الأمّة وما هو في غير صالحها ويحتكم إلى هذا المعيار دون سواه، وهو – فوق هذا وذاك - ذو عقل مستنير ومسؤول.. يفكِّر بمعطيات العصر ويتحدَّث بلغته، ولا يقيم تحالفاته (وعداواته) على أساس الدين أو المذهب.. بل على أساس الموقف السياسيّ والمصلحة الوطنيَّة والقوميَّة؛ لذلك، يوجد له حلفاء يساريّون كُثُر، وعلمانيّون، ومسيحيّون مِنْ مختلف المذاهب، ومسلمون مِنْ مختلف المذاهب أيضاً، ومِنْ مختلف البلدان.
ولقد استعمتُ، بتأثّر كبير، وبشكلٍ خاصّ، إلى حديثه الحميم الذي فاض وفاءً ورُقيّاً عن الراحل محمَّد حسنين هيكل. محمّد حسنين هيكل (وأمثاله)، بالنسبة لبعض المتمسّحين بالدين، هو مجرّد شخص كافر. أمَّا حسن نصر الله، فبخلاف هؤلاء، معياره للحكم على الناس هو مواقفهم السياسيَّة الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة التحرّريّة.. وليس أديانهم أو مذاهبهم ومعتقداتهم.
ويكفينا أنَّه، في خطابه قبل يومين، وجَّه تحذيراً حازماً وذا حيثيَّة لـ«إسرائيل». مَنْ سواه، الآن، في العالم العربيّ، يجرؤ على فعل ذلك.. حتَّى لو بالكلام؟ خصوصاً أنَّ أعداءه الصهاينة – قبل غيرهم – يعرفون أنَّ كلامه ليس مجرَّد خلخلة في الهواء.. بل هو الفعل عينه.
لقد قلتُ «حسن نصر الله» ولم أقل «الشيخ» أو «السيّد»، عامداً متعمِّداً؛ ليس لأنَّني أقلِّل من احترامه.. كما يفعل كثير من السفهاء (أو العملاء)، بل لأنَّ «الشيخ» لقبٌ دينيٌّ (أو عشائريّ) هو أكبر مِنْه؛ ولأنَّ «السيِّد»، أيضاً، لقبٌ فيه شبهة دينيَّة لا يمكن أنْ أقصدها.. ولا يمكن أنْ يكون له صلة بالرابطة التي تربط أمثالي من اليساريين العلمانيين به (أي بنصر الله).
على أيَّة حال، نحن الشيوعيين (واليساريين الحقيقيين)، ليستْ لنا مشكلة مع إيمان حسن نصر الله (أو سواه).. لا نغبطه عليه ولا ننكره بسببه. المهمّ، بالنسبة لنا هو وقوفه الثابت والصلب في خندق العداء للإمبرياليَّة والصهيونيَّة وحلفائهما وأتباعهما.
ولقد سبق لنا أنْ وقفنا مع جمال عبد الناصر (ولا نزال الأكثر وفاءً لذكراه، ومحبَّةً له)، رغم أنَّه اضطهد الشيوعيين وعاداهم ردحاً من الزمن؛ فلوحقوا في عهده، ووُضعوا في السجون لسنواتٍ طويلة بأمرٍ منه، واُستُشهِد بعضهم (أبرزهم الشهيد شهدي عطيَّة الشافعيّ)، تحت التعذيب، على أيدي أجهزته. لم ننس ذلك، بالطبع، ولم نُغفِله، بل وضعناه جانباً وقلَّلنا مِنْ شأنه، عندما رأينا كفاح عبد الناصر الشجاع مِنْ أجل التحرّر الوطنيّ والتقدّم الاجتماعيّ والوحدة العربيَّة، ونصرته للكثير مِنْ شعوب آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينيَّة في نضالها مِنْ أجل الاستقلال الوطنيّ والتنمية المتمحورة على الذات، واعتماده مشروعاً وطنيّاً حقيقيّا مِنْ أجل نهضة مصر وتقدّمها واضطلاعها بدور أساسيّ.. ليس في العالم العربيّ، وحده، بل بالنسبة للعالم الثالث كلّه.
نعم، لسنا ممَن يبنون عداواتهم وصداقاتهم على مصالحهم الخاصَّة وحساباتهم الأنانيَّة، ولسنا ممّن يأخذون الأمّة كلّها إلى الغرق في مجرى ثاراتهم الشخصيَّة. ولذلك، تعالينا دائماً (ونتعالى) على جراحنا الخاصَّة؛ فكلّ ما يهمّنا هو أنْ تكون البوصلة دائماً وطنيَّة وقوميَّة (وتقدّميَّة.. ما أمكن)، وأنْ تكون مصالح الأمّة وحقوقها هي العنوان الذي يتمّ الاسترشاد به، وأنْ تكون العداوات (أو الصداقات) مبنيَّة على هذا الأساس نفسه.