زاهي وهبي -
|
انطون سعادة مع عقيلته جولييت وابنتيه صفية وأليسار (إلى اليمين) في ضهور الشوير عام 1946. |
لم أجدني يوماً قريباً من فكر أنطون سعاده كما حالي اليوم. الزلزال الدموي المدمر الذي خلخل الكثير من الأفكار والقناعات مثلما خلخل الكيانات والخرائط قربني من أنطون سعادة وفكره، خصوصاً لجهة الاعتقاد بخصوصيةٍ ما لهذا المشرق العربي، خصوصية تمنحه سمات وعلامات فارقة وتجعله أكثر جاذبية للدسائس والمؤامرات وللهجمات المتوحشة التي تُشن عليه وعلى أهله ومكوناته كل بضعة عقود.
كان سعاده من أوائل الذين أدركوا أهمية هذا المشرق وغنى مكوناته وتنوع مصادره المعرفية والثقافية، ورسوخ جذوره الضاربة في تربة التاريخ الخصبة المجبولة دائماً بدماء بنيها للأسف.
أجدني أقرب من أي وقت مضى الى فكر سعادة، الى رؤاه الثاقبة بعيدة المدى، لا سيما ادراكه المبكر والواعي مخاطر "سايكس-بيكو" وترابط هذا المشروع التقسيمي مع مؤامرة "وعد بلفور" ونشوء الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين المحتلة. ولعل هذه الرؤى الاستشرافية لما سيكون قد عجلت في قرار اغتياله إعداماً بتلك الطريقة الخسيسة تحت جنح الظلام في ليل الغدر والتآمر.
كم أتمنى أن تعاد قراءة انطون سعاده على ضوء ما تعيشه بلادنا اليوم، وما تتعرض له من هجمة استعمارية رجعية دنيئة تهدف من جملة ما تهدف الى انشاء كيانات طائفية ومذهبية محيطة بكيان الاحتلال "الاسرائيلي" لتبرير هدفه الرامي إلى ترسيخ يهودية الدولة العبرية الغاصبة. صحيح أن الهجمة الرجعية الظلامية لا تطاول المشرق العربي وحده، إنما بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، لكن خصوصية المشرق وتنوع مكوناته، وضرورة الحرص على هذه المكونات، كل ذلك يجعله قاعدة مهمة للمواجهة الطويلة الضارية مع الفكر الظلامي وقواه المتوحشة، ونموذجاً لمقاومة تشترك فيها جميع القوى المتنورة التي تجد نفسها على تناقض وجودي مع أهل الظلام.
لعل السعار الطائفي والمذهبي القاتل، والتطرف الديني العائد بنا إلى مرحلة قروسطية مظلمة، يفرضان علينا البحث عن كوى ضوء وسبل خلاص للخروج من هذا النفق المسطوم. وهنا يبدو لي أن فكر انطون سعادة في مقدم الحبال التي يمكن لنا الاعتصام بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تلقَّيتُ هذا النصّ من الصديقة العزيزة الدكتورة صفيَّة أنطون سعادة.