بعض مشاهير هوليوود كانوا ممثِّلين إباحيين قبل شهرتهم

سعود قبيلات ▣

هل ستكون ثمَّة مشاركة باسم الأردن في مؤتمر البحرين أم لا؟

سؤال ليس نادراً ما يُطرح هذه الأيّام؛ ولكن ما مِنْ أحدٍ – مع الأسف – يملك إجابةً له تخرج عن نطاق التحليل والتخمين والاستنتاج.. لا القوى السياسيّة ولا الإعلاميين ولا «المحلِّلين والمحرِّمين» ولا المشتغلين بالعمل العامّ ولا الحكومة أيضاً. الحكومة، أصلاً، غائبة (ومغيَّبة). فحتَّى عندما جاء جاريد كوشنير إلى الأردن والتقى بالملك لبحث موضوع المشاركة في مؤتمر البحرين، لم تُدعَ الحكومة إلى اللقاء! وليست هذه هي المرّة الأولى، ولا المسألة الأولى، التي تكون فيها الحكومة (بل الحكومات) غائبة.

هل ستكون ثمَّة مشاركة، باسم الأردن، في لقاء البحرين، أم لا؟

هذا السؤال يجب أنْ لا يُطرَح أصلاً. فمؤتمر البحرين – كما هو معروف من المعلومات المعلنة – سيقوم بترتيب الشقّ الاقتصاديّ مِنْ صفقة القرن، لتُعرَض الأثمان مقابل الأوطان؛ وبالتحديد: مقابل الأردن وفلسطين!

والجواب الحقيقيّ المُفتَرَض هو:

-       كلّا ثمّ كلّا ثمّ كلّا.

بالنسبة للفلسطينيين، قال الشعب الفلسطينيّ الشقيق كلمته بكلّ قوّة وعزم؛ فالتزمت السلطة الفلسطينيّة بذلك، وأعلنت عدم مشاركتها في المؤتمر، وأكَّدت أنَّه لا أحدَ من المؤتمرين يملك حقَّ التداول أو اتِّخاذ القرار في ما يتعلَّق بالقضيّة الفلسطينيّة في ظلّ غياب الشعب الفلسطينيّ ورفضه.

الشعب الأردنيّ، بغالبيّته الساحقة، يعارض المشاركة في أعمال مؤتمر البحرين ويرفض صفقة القرن بالمجمل؛ لكنّه، مع الأسف، يعتصم في بيوته منتظراً ظهور الدخان الأبيض من الدخان الأسود. وكأنَّ القرار لا يجب أنْ يكون له! أو كأنَّ مضمون القرار لا يتعلَّق بمصيره ومصير وطنه!

لا أملك، هنا، إلا أنْ أتذكَّر قصَّة بديعة لفرانز كافكا اسمها «مستوطنة العقاب». في تلك القصّة، نجد ما يلي: آلة إعدام دمويّة فظيعة قديمة قرَّرت السلطات الاستغناء عنها.. مِنْ باب التجديد واستخدام أسلوبٍ أحدث للإعدام؛ ومندوباً أرسلته السلطات لوضع تقريرٍ في شأن الطريقة المثلى للخلاص مِنْ تلك الآلة؛ وجلّاداً أمضى عمره يعتاش مِنْ تشغيل تلك الألة، فأصبح مصيره مقترناً بمصيرها؛ ورجلاً منكود الحظّ أحضره الجلّاد ليكون آخر ضحيّة يتمّ إعدامها بوساطة تلك الآلة.

والمهمّ، هنا، هو الحوار الغريب والطويل الذي دار بين مندوب الحكومة وبين الجلّاد، وكيفيّة تفاعل المحكوم بالإعدام معه. كان مندوب الحكومة يحدِّث الجلّاد عن ضرورة إعدام آلة الموت القديمة تلك، مؤكِّداً له أنَّ قراراً رسميّاً قد صدر بذلك. وكان الجلّاد يدافع عن آلته باستماتة، مستذكراً أمجادها العظيمة في الزمن الغابر، ومتغنِّياً بأسلوب عملها البديع.. كما لو أنَّه يتغنَّى بعملٍ فنِّيٍّ راقٍ، وعارضاً على المندوب أن يرى عملها مباشرة عن طريق تنفيذ الإعدام بالمحكوم الواقف بالقرب منهما. وحيث أنَّهما كانا يتحدَّثان بلغةٍ غريبة لا يفهمها المحكوم؛ فقد كان هذا الأخير ينظر إليهما باستغراب ويستمع إلى كلامهما بحياديّةٍ.. كما لو أنَّ الأمر لا يعنيه ولا يتعلَّق بمصيره.

والآن، نترك كافكا وغرائبيّته المركَّبة جانباً ونعود إلى الغرائبيّة الموجودة حولنا؛ إذ بينما ينتظر الجميع ما سيقوله الملك في شأن المشاركة أو عدم المشاركة في مؤتمر البحرين التي بناء عليها سيتقرَّر مصير بلدٍ بكامله ومصير شعبه مِنْ دون أخذ رأي الشعب بهذا والالتزام به (وهذا مشهد كافكويّ، بحدّ ذاته)، ينشغل الرأي العامّ الأردنيّ بالثرثرة عن مسلسل «جِنّ» الذي يُبَثّ على نتفليكس، ويختلف القوم فيه ويتجادلون، بل ويتنافحون دفاعاً عن «الشرف الرفيع»! ولكن قلَّما تجد بينهم مَنْ نافح وينافح عن الشرف الرفيع الحقيقيّ الذي يُنتَهَك يوميّاً!

وعلى رأي مظفَّر النَّوَّاب:

«وسحبتم كلَّ خناجركم

وتنافحتم شرفاً»..

(هل نكمل؟)

وهنا، تعود بي الذاكرة، إلى موقفٍ مميَّز لأحد قادة الجبهة الوطنيّة التي كانت قائمة في الضفّة الغربيّة المحتلّة في أوائل سبعينيّات القرن الماضي، وكان صاحبنا – آنذاك – معتقلاً لدى قوّات الاحتلال الصهيونيّ. استخدمت الاستخبارات الصهيونيّة معه كلّ أساليب الشدّة والعنف، التي تُعرَف بها، محاولةً كسره وجعله يقدِّم لها ما تطالبه به من المعلومات الضروريّة عن عمل الجبهة الوطنيّة وعن رفاقه المناضلين في صفوفها؛ لكنّها لم تفلح؛ وعندئذٍ، أحضروا زوجته وهدَّدوه بالاعتداء عليها أمامه وتلطيخ سمعته وشرفه بصورةٍ شنيعة. فما كان منه إلا أنْ قال لهم: مع الأسف، أنا لا أملك وسيلة لأحول بينكم وبين الاعتداء على زوجتي؛ فأنا أسير لديكم مصفَّد بأغلالكم، وأنتم تملكون القوّة اللازمة لممارسة بطشكم وغطرستكم المعهودين؛ لكنَّني – مع ذلك – أستطيع أنْ أقول لكم بكلّ ثقة: مهما فعلتم، لن تنالوا مِنْ شرفي. شرفي، على أيَّة حال، ليس هذا الذي تهدِّدوني به، بل هو نقاء موقفي الوطنيّ. وهذا يعتمد على صلابتي وقوّة تحمّلي وإيماني بقضيَّتي، ولا تستطيع قوّتكم الغاشمة أنْ تفعل معه شيئاً.

ونعود إلى قصّة كافكا؛ فهي تنتهي نهاية دراماتيكيّة صادمة؛ حيث يتبيّن أنَّه حتَّى الجلّاد، الذي ظلّ يعتاش طويلاً مِنْ مهنة الموت، لديه مبدأ وكرامة وموقف؛ فعند تأكّده أنَّ مصير آلته قد تقرَّر نهائيّاً ولا سبيل إلى تغييره، يبادر – وسط دهشة مندوب السلطات والمحكوم – بوضع نفسه عليها ويقوم بتشغيلها على جسده ليكون آخر مَنْ يُعدم بها.

وإذا كان هذا هو الحال في قصّة كافكا وفي قصّة ذلك المناضل الوطنيّ الشجاع، فإنّ الأولويّات والقيَم – لدى الكثيرين منّا – معكوسة تماماً، مع الأسف!

وهذا أحد أهمّ أسباب ذلِّنا وهواننا.