إغلاق
مطار بن غوريون والطلب من الطائرات الوافدة إليه تغيير وجهتها؛
وهذا
إضافة إلى اضطرار الإسرائيليين للعيش تحت وطأة حالة التأهّب وتوتّرها منذ أعلن السيّد
حسن نصر الله بأنَّ الحزب سيردّ حتماً على العدوان الإسرائيليّ على الضاحية
الجنوبيّة.
نتنياهو
ينكر بالطبع أنَّ ضرب المدرّعة الإسرائيليّة أسفر عن قتل أو إصابة أيٍّ مِنْ
جنوده. وهذا مضحك؛ فهل أصبحتْ المسألة، بالنسبة له، تُقاس على هذا النحو؟! أي هل
يعني ذلك أنَّ ضرب قوّاته ومعسكراته مسموحٌ به شريطة أنْ لا يُصاب أحدٌ مِنْ
جنوده؟!
إنَّه
يريد أنْ يحرف الاتِّجاه إلى هذا النوع العقيم من الجدال، لكي يغطِّي على
الانتكاسة الحقيقيّة القاسية التي تعرَّضت لها محاولته إعادة عقارب الساعة إلى
الوراء.. أي إلى الأيّام التي كانت فيها إسرائيل تصول وتجول مِنْ دون أنْ يتصدَّى
لها أحد.
في
كلّ الأحوال، نحن نصدِّق حزب الله؛ لأنَّه أثبت صدقيّته مراراً وتكراراً. ومع
الأسف، سيجد نتن ياهو هو أيضاً مَنْ يصدِّقه مِنْ أبناء جلدتنا.. حتَّى مع أنَّه
أثبت كذبه مراراً وتكراراً.
ويجدر
بنا أنْ نشير هنا إلى أنَّ بعض العرب تجاوز حدود تصديق إسرائيل والتعاطف المبطَّن
معها (وبالنتيجة الوقوف معها، موضوعيّاً، في خندقٍ واحد) إلى حدّ إعلان تعامله
معها كحليف ووصْفِ ما قام به حزب الله في شمال فلسطين المحتلّة بأنَّه عدوان!
أبرز نماذج
هذا الموقف هو تغريدة وزير خارجيّة البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة
على تويتر التي قال فيها:
«اعتداء
دولة (يقصد لبنان) على أخرى (يقصد إسرائيل) شيء يحرِّمه القانون الدوليّ. ووقوف دولة
متفرِّجة (لبنان) على معارك تدور على حدودها وتعرِّض شعبها للخطر هو تهاون كبير في
تحمّل تلك الدولة لمسؤوليّاتها.»!
وقد
تبع ذلك، قيام سلطات البحرين بدعوة مواطنيها إلى مغادرة لبنان فوراً!
على
أيَّة حال، ليس هذا هو الأهمّ، بل هو عدم قبول حزب الله بالاعتداء الإسرائيليّ على
الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ووعده بالردّ على هذا الاعتداء، وتنفيذه لوعده، ليؤكِّد
أنَّه لن يسمح بتغيير قواعد الاشتباك التي تمّ تكريسها في حرب تمّوز من العام
2006، مهما كان الثمن. ما يعني عدم السماح باختلال توازن الردع وعودة إسرائيل إلى
سياسة اليد الطولى التي كانت تنتهجها مع الدول العربيّة ومِنْ ضمنها لبنان.
لقد
خاطب السيّد حسن نصر الله الإسرائيليين، في أعقاب هذا العدوان الأخير، قائلاً لهم بغضب
وبكلماتٍ واضحة:
اِنضبّوا!
وهم
الآن سينضبّون.. على الأقلّ في المدى المنظور، رغم فداحة هذا الموقف عليهم؛ لأنَّ
البديل صعب جدّاً بالنسبة لهم، بل هو كارثيّ.
بعد
حرب تمّوز من العام 2006، دخلت إسرائيلُ أزمةً وجوديّة خطيرة؛ حيث لم يعد بإمكانها
متابعة القيام بدور الشرطيّ المتقدّم للإمبرياليّة العالميّة في المنطقة وفرض
الطاعة والخضوع على محيطها بنفس الوتيرة التي اعتادت عليها. فطوال 34 يوماً من
الحرب الطاحنة لم تتمكَّن قوّاتها من اجتياز حدود بلدٍ صغير هو لبنان، ولا التغلّب
على حزبٍ صغير هو حزب الله، وفقدت قدرتها على فرض شروطها السياسيّة عليهما.
المقاومة
صنعت ذلك باقتدار، في حين أنَّ الاستسلام دمَّر دولاً عربيّة عديدة وأذلّها..
وبعضها أكبر مِنْ لبنان بكثير.
في
العام 2006، كان الوضع الدوليّ مختلفاً جدّاً. كان العالم لا يزال يرزح تحت وطأة
القطبيّة الأحاديّة الأميركيّة. وفي العام 2007 فقط، ظهرت بوادر أوَّليّة واضحة
لتغييرٍ دوليّ جدّيّ؛ حيث أرسل الروس، لأوَّل مرَّة منذ انهيار الاتّحاد
السوفييتيّ، طائراتهم الاستراتيجيّة إلى الشواطئ الأميركيّة على الأطلسيّ، متابعين
ما كان يفعله السوفييت بانتظام سابقاً. ردّ الأميركيّون في حينه على هذا التحوّل
الخطير بالقول إنَّه لا يُهدِّد أمنهم، بكلمة أخرى.. «عادي»!
إنَّه ردّ يشبه ردّ نتنياهو الآن على عمليّة حزب الله الأخيرة.
وفي
معمعان الحرب على سوريا، تراجعت أحاديّة القطبيّة وتمَّ تظهير عدد من الأقطاب
الدوليّة.. سواء أكانت دولاً بمفردها أو مجموعات دوليّة متضامنة.
يُضاف
إلى هذا الآن أنَّ قوّة حزب الله أصبحت أكبر بكثير مِنْ ما كانت عليه في العام
2006، كما أنَّ لياقته العسكريّة وخبراته الميدانيّة أصبحت أكبر بكثير أيضاً بعد
مشاركته الفعّالة في الدفاع عن سوريا في مواجهة الحرب الظالمة متعدِّدة الجنسيّات
التي شُنَّتْ عليها. وقد أصبح الحزب الآن جزءاً أساسيّاً مِنْ محورٍ واسعٍ
للمقاومة متضامنٍ ويخوض مواجهاتٍ على عدّة جبهات في المنطقة. ولذلك، تدرك إسرائيل
أنَّ كلفة الدخول في حرب جديدة مع لبنان تفوق طاقتها وتمثِّل خطراً حقيقيّاً
عليها.
وهكذا،
تتأكَّد مجدّداً الحقيقة البديهيّة القائلة: إنَّ كلفة الاستسلام للعدوّ أكبر
بكثير مِنْ كلفة التصدِّي له بالمقاومة.
وفي
هذا السياق، ننظر حولنا فنرى أنَّ الاستسلام للعدوّ والتبعيّة للإمبرياليّة
العالميّة قد قادا بلدنا إلى الوقوف على حافّة هاوية سحيقة وعرَّضاه لمخاطر
وجوديّة حقيقيّة.. مِنْ بينها ما تهدّدنا به صفقة القرن التي لحس النظام لاءآته
غير الحقيقيّة في شأنها وأصبح يسعى بكلّ جهده لتمريرها وكبح لاءات الشعب الحقيقيّة
الموجَّهة لها.
وبالمقابل،
نتذكَّر كيف كان وضع بلادنا وشعبنا في يوم 21 آذار من العام 1968، عندما اتّخذتْ
قوّاتنا المسلّحة الباسلة، مسنودةً من الشعب والفدائيين، قرارها الشجاع بالتصدِّي
للعدوان الإسرائيليّ الغاشم الذي استهدف بلدة الكرامة والأغوار في ذلك الصباح
الربيعيّ الأغرّ.
في
مساء ذلك اليوم المجيد نفسه، تقدّم العدوّ لأوَّل مرّة إلى مجلس الأمن الدوليّ
طالباً وقف إطلاق النار، وتمَّ رفض طلبه أردنيّاً إلى أنْ ينسحب آخرُ جنديٍّ معتدٍ
مِنْ شرقيّ النهر.
بالطبع،
خسرنا العديد من الشهداء الأبطال آنذاك، بالإضافة إلى العديد من الجرحى. وكانت
الخسارة مؤلمة؛ لكنَّنا كنّا في تلك المعركة بلداً عزيزاً سيّداً يذود عن نفسه وعن
الأمّة كلّها؛ بخلاف ما صار عليه وضعنا الآن في ظلّ الاستسلام وتفكيك الجيش
ومؤسّسات الدولة وتدمير اقتصاد البلاد ونهب ثرواتها ومواردها ورهن مصالحها وقرارها
للدوائر الإمبرياليّة والصهيونيّة وتوابعها.
وإنَّ
ما يقوم به حزب الله الآن هو أيضاً دفاعٌ مجيد عن الأمّة كلّها وعن كرامة كلّ
واحدٍ منّا لا تزال كرامته تعني له شيئاً ولا تزال بوصلته تؤشِّر على العداء
للإمبرياليّة والصهيونيّة وتوابعهما.