في أفلام هوليوود الخياليّة، حين يتعرَّض العالم لخطرٍ
داهمٍ مِنْ غزوٍ فضائيّ أو خللٍ بيئيّ أو طبيعة هائجة أو إرهابيين شرِّيرين أو
جائحة، يهبّ السوبرمان الأميركيّ وحده لإنقاذ العالم، فينجح بذلك عادةً في اللحظة
الأخيرة وينتهي الفيلم. أمَّا في هذا الفيلم الحيّ الذي يحيط العالم كلّه بهذه
الجائحة المرعبة، فالأميركيّ (وحليفه البريطانيّ الأقرب) لا يفعلان شيئاً ولا
يقدّمان أيّ مساعدة لأيّ أحدٍ.. بمَنْ في ذلك حلفاؤهما في حلف الأطلسيّ.. اللهمّ
إلا إذا استثنينا العرض الأميركيّ بمساعدة إيران.. إيران دون سواها(!) وبينما هم
يفرضون عليها أسوأ أنواع الحصار الاقتصاديّ وأكثرها همجيّة. رفضتْ إيران – كما
نعلم جميعاً – هذا العرض، معبِّرةً عن ريبتها الشديدة في أهدافه.
مِنْ ناحية أخرى، رغم إعلان رئيس الوزراء البريطانيّ بوريس
جونسون – تحت ضغط الانتقادات الواسعة التي تعرَّض لها – تراجعه عن خيار «مناعة
القطيع» الذي كان قد أعلن تبنِّيه له، إلا أنَّ ما يُطبَّق فعليّاً وحتّى الآن في
بريطانيا هو خيار «مناعة القطيع». أمّا في الولايات المتَّحدة، فرغم ظهور الرئيس
دونالد ترامب يوميّاً في مؤتمراتٍ صحفيّة استعراضيّة يتحدَّث فيها عن الجائحة
مكرِّراً كلامه العنصريّ عن «الفايروس الصينيّ»، فإنَّ ما تقوم به حكومته فعليّاً على
أرضها ليس بعيداً عن خيار «مناعة القطيع».
في خلفيّة ذهن الرأسماليّة المتوحِّشة، من النمط الأنجلو
سكسونيّ، يحضر دائماً، كأولويّة في مثل هذه الحالة، التفكير في اغتنام فُرَص الربح،
والعقل المالثوسيّ القائم على النظر إلى الغالبيّة الساحقة من الجنس البشريّ
كحمولة زائدة وكأرقام فائضة عن الحاجة لا بدّ من التخلّص منها لإنقاذ العالم.
والعالم، في هذه الحالة، هو «النخبةْ» الأنجلوسكسونيّة الثريّة ومَنْ يلزم من
البشر (أو القطيع) لخدمتها وتلبية احتياجاتها وتسيير أعمالها.
إذا كان ثمَّة مَنْ لديه معلومة عن فِعلٍ أميركيٍّ
لإنقاذ العالم مشابه لما يقوم به السوبرمان الأميركيّ عادةً في أفلام هوليوود،
فلينوِّرنا.
لا، لكي نكون منصفين، نُشير إلى أنَّه في هذه الظروف
الصعبة نفسها، تمكَّن السوبرمان الأميركيّ مِنْ إنقاذ جاسوسٍ «إسرائيليّ» متَّهم
بالكثير من الجرائم الوحشيّة.. مِنْ براثن لبنان.
على أيَّة حال..
الولايات المتَّحدة دولة عُظمى (بل الدولة الأعظم).. لا
أحد يُشكِّك بذلك؛ لكنَّها في هذه المحنة الكبرى، التي تتعرَّض لها البشريّة، لم
تكن كذلك.