سعود قبيلات ▣
أعلن الأمين العامّ لـ«حزب الله»، السيّد حسن نصر الله، مؤخَّراً، شعار «الجهاد الصناعيّ والزراعيّ» في مواجهة الضغوط الاقتصاديّة الأميركيّة على لبنان. هذا ليس قراراً عاديّاً؛ بل هو قرار خطير سيترك آثاراً بعيدة وعميقة على لبنان بمجمله.. وربَّما على المنطقة، لا تقلّ عن الآثار التي تركتها حرب تمّوز/يوليو 2006 التي فاقمت الأزمة الوجوديّة لـ«إسرائيل».
«الجهاد الصِّناعيّ الزِّراعيّ» يمكن أنْ يكون خطوة رائدة على طريق «التَّحرّر الوطنيّ» وإنهاء التَّبعيّة وبناء أُسس الاستقلال الوطنيّ والسِّيادة الوطنيّة. وحتَّى تكتمل هذه الخطوة، يحتاج الأمر إلى برنامج مدروس يتمّ إقراره مِن المؤسَّسات المعنيّة في الدولة ثمّ يجري تنفيذه بلا تهاون.
المعضلة الأساسيّة في لبنان وفي الغالبيّة الساحقة من البلدان العربيّة هي معضلة التبعيّة. وكثيرون يختزلون التبعيّة بتبعيّة القرار السِّياسيّ. وهذه نظرة سطحيّة جدّاً وقاصرة؛ فتبعيّة القرار السِّياسيّ نتيجة وليست أصلاً، وعَرَض وليست جوهراً، وهي في النِّهاية ليست سوى الجزء الضئيل الظاهر مِنْ جبل الجليد العائم الخاصّ ببنية التبعيّة.. حيث أنَّ ما يظهر منه هو خُمسُه، في حين أنَّ أخماسه الأربع الباقية تكون مختفية تحت سطح الماء. وهذه الأخماس الأربع المختفية هي البنية الاقتصاديّة الاجتماعيّة التي يستند إليها (ويخضع لها) القرار السياسيّ التَّبعيّ.
لا شكّ لدينا بأنَّ حزب الله سينفِّذ قراره هذا، مهما كانت العوائق والصعوبات. وسبب استخدامنا لهذه اللغة الجازمة هنا هو:
أوَّلاً، أنَّنا اعتدنا من الحزب على أنَّه يفعل ما يقول، ويُنفِّذ ما يُقرِّر، دائماً؛
وثانياً، أنَّ التَّضييق الاقتصاديّ الأميركيّ الشَّديد على لبنان لا يترك مجالاً لأيّ خيارٍ آخر سوى الخضوع للشُّروط الأميركيّة (الَّتي هي في لبنان، بالضَّرورة، شروط إسرائيليّة). ومن الواضح (والمجرَّب) أنَّ هذا الخيار غير وارد بالنِّسبة للحزب.
قبل هذا القرار، كان حزب الله لا يمتلك برنامجاً واضحاً للتَّحرّر الوطنيّ؛ أعني برنامجاً اقتصاديّاً اجتماعيّاً. وربّما كان السَّبب هو:
أوّلاً، الانقسام الطَّائفيّ والمذهبيّ في لبنان الَّذي يتوزّع بناءً عليه النُّفوذ السِّياسيّ في البلاد؛ ما يحول دون إمكانيّة انفراد جهة أو تيّار باتِّخاذ قرار مِنْ هذا المستوى والشروع بتنفيذه؛
وثانيّاً، المنطلقات الإيديولوجيّة الدينيّة للحزب التي تقصر عن رؤية الأبعاد الاقتصاديّة والطبقيّة للتَّبعيّة (وللتَّحرّر الوطنيّ في المقابل).
أمّا الآن، فقد حسمت الضغوط الأميركيّة القاسية كلَّ الخيارات ولم تُبقِ سوى خيار واحد هو خيار البرنامج الاقتصاديّ الوطنيّ الذي يؤسِّس للاعتماد على الذَّات، وإطلاق عجلة التَّنمية الوطنيّة، وتلبية الاحتياجات الأساسيّة للغالبيّة الشَّعبيّة المسحوقة. وهذه معالم أساسيّة لبرنامج التَّحرّر الوطنيّ.
وعندما يُقدِم حزب الله أخيراً على اتِّخاذ مثل هذا القرار الخطير، فإنَّه يُلقي الكرة في ملعب القوى اللبنانيّة جميعها، سواء منها القوى المتحالفة مع المقاومة والمؤيّدة لها، أو قوى التَّبعيّة والنَّهب والكمبرادور والاستغلال الطَّبقي،ّ لتقدّم ما لديها مِنْ حلول في مواجهة الضُّغوط الاقتصاديّة الأميركيّة وما أدَّت (وستؤدِّي) إليه مِنْ ظروف معيشيّة صعبة لغالبيّة فئات الشَّعب اللبنانيّ.
بالطَّبع، قوى التَّبعيَّة والكمبرادور ليس لديها ما تقدّمه اقتصاديّاً سوى الاستمرار في النَّهب والاستغلال وتعزيز الطَّبيعة الكمبرادوريّة والطُّفيليّة الاستغلاليّة للاقتصاد؛ أي، بالضَّبط، إطالة عُمر بنية التَّبعيّة إلى أطول أمدٍ ممكن. وليس لديها ما تقدّمه سياسيّاً سوى خيار الاستمرار في رهن القرار السِّياسيّ (والسِّياديّ) اللبنانيّ للمصالح الأميركيّة؛ ما يعني، بالنتيجة، تنفيذ مطلب الاستسلام لـ«إسرائيل» مِنْ دون قيد أو شرط. ولكن الجميع يعرف أنَّ هذا غير ممكن في ظلّ تعاظم قوّة حزب الله وحلفائه اللبنانيين وإصرارهم على اتِّباع خطّ المقاومة.
مؤكَّد أنَّ الحزب لن يُلزم بقراره هذا (قرار «المقاومة الاقتصاديّة»)، سوى أعضائه وجمهوره. ومن المتوقَّع، في ظلّ المستوى العالي لانضباط أعضاء الحزب وجمهوره، أن يتمّ تنفيذ هذا القرار على أحسن وجه وأن يحقِّق مستوياتٍ عاليةً من النجاح.
ولكن آثار هذا القرار، عند تنفيذه، لن تنحصر في نطاق أعضاء الحزب وقواعده الاجتماعيّة، بل ستمتدّ لتشمل مختلف المناطق اللبنانيّة؛ حيث أنَّه سيفتح ثغرةً كبيرةً في دائرة الحصار والضائقة الاقتصاديّة التي ستلقي بثقلها على كاهل الطَّبقات الشعبيّة العريضة بغضّ النظر عن مناطقها وطوائفها ومذاهبها. وباستثناء الطُّغمة الماليّة والكمبرادوريّة، لا توجد لدى اللبنانيين أيّ خيارات أخرى لسدّ احتياجاتهم الحيويّة وتدبير أمورهم المعيشيّة. ثمّ إنَّ النَّجاح المتوقَّع في تنفيذ هذا البرنامج، سيقود إلى نوعٍ من العدوى في مختلف المناطق ولدى مختلف الفئات.
وهنا، سنحاول أن نمدَّ النظر قليلاً إلى الأمام لكي نرى بعض الآفاق البعيدة التي يمكن لهذه العمليّة أن تبلغها:
1. إذا كان الجانب الزراعيّ مِنْ برنامج المقاومة الاقتصاديّة سيؤمّن الكفاية والاعتماد على الذات في مجال الغذاء، فإنَّ نشر الكثير من الورش والمصانع الصَّغيرة، سيؤمِّن – بالإضافة إلى الاحتياجات المعيشيّة الضَّروريّة - إمكانيّة كبيرة للتَّصنيع العسكريّ على نطاقٍ واسع وفي مرافق شِبه علنيّة؛ فكثير مِنْ أوَّليَّات الصِّناعة العسكريّة تتداخل مع أوَّليّات الصِّناعة المدنيّة. وهذا في حين أنَّ صناعة حزب الله العسكريّة تتمّ الآن، مِنْ ألفها إلى يائها، في مصانع عسكريّة سرّيّة فقط؛
2. سيقود تنفيذ هذا البرنامج إلى ترك أثرٍ عميقٍ على تجربة الحزب في المقاومة؛ حيث ستنشأ أرضيّة صلبة لتكامل المقاومة العسكريّة والسِّياسيّة مع البنية الاقتصاديّة الاجتماعيّة الوطنيّة الدَّاعمة لها؛
3. سيقود هذا البرنامج أيضاً إلى تدعيم ثقافة المقاومة بثقافة القطاع العامّ وثقافة الالتزام بتلبية الحاجات الأساسيّة للطَّبقات الشعبيّة؛
4. ستتطلَّب هذه العمليّة أساليب إداريَّة خاصّة، ووسائل تصريف مغايرة، وأنماط جديدة مِنْ توزيع الدَّخل وفائض القيمة. وهذا كلّه سيترك آثاراً عميقة أيضاً على بيئة المقاومة وكوادرها وجمهورها.
«المقاومة الزراعيّة الصناعيّة» مشروع اقتصاديّ اجتماعيّ سياسيّ كبير، ويجب عدم التقليل مِنْ شأنه واختزاله بالنَّظر إليه على أنَّه مجرَّد وسيلة آنيّة لتلبية الحاجات الأساسيّة في ظروف الحصار الطارئة الخانقة.
وأخيراً، أشكال ردود فعل النَّاس على التَّحدِّيات المصيريّة الَّتي تواجههم، إذا كانت جدّيّة وبمستوى التَّحدِّيات، لا ينحصر تأثيرها في حدود حلّ مشاكلهم المؤقَّتة، بل إنَّه يتجاوزها إلى حدود تغييرهم هم أنفسهم وتغيير ظروف حياتهم بمجملها.
في لبنان نظام طائفي قذر قائم على المحاصصة لا يرتجى منه خيرا أيها الرفيق العزيز ..في لبنان نظام فاشل يقوده أمراء الطوائف وهم سبب علته يا سيدي ..لاماء ولا كهرباء وفوق ذلك بنية تحتية منهارة ..دولة تفشل في التخلص من نفاياتها ..وفيها من يتحدث عن جهاد صناعي وزراعي وجهاد بأنواع متعددة
ردحذفمن أراد أن يكون مجاهدا لا يبني شراكة مع ميشيل عون وهو المعروف بارتباطه بالفرنسيين وغيرهم .. في لبنان من يجيد تجارة الوهم وهذا منهم ..
الحل في لبنان ..يبدأ من اجتثاث النظام الطائفي القائم على المحاصصة ..