سعود قبيلات ▣
تَجهُّم..
«نَظَرَ الكهلُ إلى عُمرِه، فرآه يمضي سُدى،
ورأى نفسَه "نبيّاً ما فاه بعدُ بآية"[1]؛
فغَضِبَ على نفسِه وعلى الحياة، وأصبح دائمَ التَّجهّم.
لاحظَ أولادهُ وأحفادُه اكفهرارَ وجهِه،
فحسبوه مؤشّراً على اكتساب الحكمة، وزيادة الخبرة، وعُلوِّ
النَّفس؛
فأعجبهم ذلك وراحوا يقلِّدونه،
وما لبثوا أنْ أسموا تجهُّمَهم المصطنع رصانة!».
(مِنْ كتابي قيد الإعداد «ذُهولُ الشَّخص»).
في العادة، نقيس الحياةَ بالطّول وليس بالعمق؛ أي أنَّنا
نحسِبُها بعدد السِّنين وليس بحجم التَّجربة الحياتيَّة ونوعِها.
ولذلك، فإنَّنا كثيراً ما نستغرب عندما نُصادف شابّاً
يعبِّر عن أفكارٍ عميقةٍ وشديدة الذَّكاء في شأن الحياة والنَّاس، أو يتَّخذ
مواقفَ تترك صدىً كبيراً وممتدّاً في التَّاريخ؛ فنتساءل باندهاش: كيف تأتَّى
لهذا الشَّابّ أنْ يتوصَّلَ إلى مثل هذه الأفكار المبهرة أو أن يتَّخذَ مثلَ هذه
المواقف العظيمة، الَّتي يُفترَض أنْ تستندَ إلى خبرة إنسانيَّة كبيرة، في حين أنَّه
لا يزال في مقتبلِ عمرِه؟!
وما ذلك إلّا لأنَّنا ننسى أنَّ بعضَ النَّاس قد يعيش
خلال سنواتٍ قليلةٍ خبراتٍ إنسانيَّةً كبيرةً وغنيَّةً وكثيفةً وعميقةً لا يمرّ بها
سواه خلال عمرٍ طويلٍ، وأنَّ تذوّقَ النَّاس للحياة وقدرتَهم على فهمِها وتمثّلِ عناصرِها يختلفان مِنْ إنسانٍ إلى آخر. هذا يحدث في مختلف حقول النَّشاط
الإنسانيّ.. لكنَّه لا يعني مطلقاً ضرورةَ أنْ تكون حياةُ المرء قصيرةً لتتَّسم بهذه السِّمات الإنسانيّة العظيمة. وأتذكَّر، هنا، الحياةَ الغنيّةَ الَّتي وصفها بابلو نيرودا في كتابه الجميل «أشهد أنَّني قد عشتُ»! لقد كَتَبَ نيرودا هذا الكتاب عندما بلغ سنَّ الشَّيخوخة، وما لبث أنْ غادر الحياة في ظروفٍ غامضةٍ.. مباشرةً بعد الإنقلاب الدَّمويّ الفاشيّ الَّذي دبَّره الأميركيّون في بلده تشيلي في خريف العام 1973 ضدَّ حكومة الرَّئيس اليساريّ المنَتَخَب سلفادور اللندي.
الفوزُ في معركةٍ خاسرة
في 14
تمّوز/يوليو 1920، وجَّه الجنرال غورو، قائدُ القوّات الفرنسيَّة الَّتي جاءت
لاحتلال سوريا، إنذارَه الشَّهير للحكومة السُّوريَّة، وقد اشتمل الإنذارُ على
الإملاءات التَّالية: قبول الانتداب الفرنسيّ، وتسريح الجيش السُّوريّ، والموافقة
على احتلال القوَّات الفرنسيَّة لمحطَّات سكك الحديد السُّوريّة، وقبول تداول ورق النَّقد
الفرنسيّ، ومعاقبة المتورِّطين في عمليَّات عدائيَّة ضدَّ فرنسا.
كانت
سوريا – آنذاك – هي سوريا الطَّبيعيّة (أو الكبرى) الَّتي تشمل سوريا الحاليّة
والأردن وفلسطين ولبنان. اجتمع الملك فيصل، ملك سوريا الطَّبيعيّة آنذاك، مع حكومته،
وأعلنوا جميعاً – باستثناء وزير الدِّفاع يوسف العظمة – قبولَهم الإنذار الفرنسيّ وتنفيذ
ما جاء فيه؛ بل إنَّهم كانوا قد شرعوا بالفعل بتنفيذ بعض بنوده، وتحديداً بند حلّ
الجيش.
حاول
يوسف العظمة ثنيَهم عن قرارهِم هذا؛ لكن بلا جدوى. وعندئذٍ، ردَّد على مسامعِهم بيتَ الشِّعر
الشَّهير للمتنبِّي، الَّذي يقول:
«لا
يسلمُ الشَّرف الرَّفيعُ من الأذى
حتَّى
يُراق على جوانبِه الدَّمُ»
ثمّ قال
إنَّه يطلب الإذنَ ليموت، وإنَّه يترك ابنتَه الوحيدةَ ليلى أمانةً لديهم. وخرج،
بمَنْ بقي معه من الجيش الَّذي تمَّ تسريحه، لملاقاة الغزاة.
وقعت معركةُ ميسلون صباح يوم 24 تمّوز/يوليو 1920، وكانت النَّتيجةُ محسومةً سلفاً؛ فالجيش
الغازي كان مسلَّحاً بالطَّائرات والمدافع والدَّبّابات، في حين لم يكن لدى الجيش السُّوريّ
لا دبَّابات ولا مدافع ولا طائرات. وبعد حوالي ساعة، أُستُشهِدَ القائد يوسف
العظمة وهو يقاتل ببسالة مع جيشه. كان شابّاً في السَّادسة والثَّلاثين مِنْ
عمرِه، وكلّ ما كان يهمّه هو أنْ لا يسجِّل التَّاريخُ أنَّ دمشق قد اُحتُلَّتْ مِنْ
دون مقاومة.
بالنِّسبة
للَّذين يحتكمون للمعايير التِّجاريّة، كانت هذه مجرَّد معركة خاسرة، وكان خوضُها حماقةً محض. أمّا بمعايير القيم الوطنيّة والإنسانيّة، وبمعايير التَّاريخ ودروسِه
وعِبَره، فقد كانت هذه أمثولةً بطوليّةً مجيدة. ولذلك، فاِسم ميسلون (المعركة)
يزيّن الآن الكثيرَ من الشَّوارع والمَحالّ والأماكن في مختلف أنحاء العالم
العربيّ. لقد أخذ النَّاس الأمثولةَ البطوليّةَ المجيدةَ، ولم يلتفتوا إلى الهزيمة العسكريّة في معركةٍ غير متكافئة.
أولئك
الصِّيدُ آبائي
مِنْ عقابيل سايكس بيكو ووعد بلفور
صُنِعَتْ التراجيديا الأردنيّة. تراجيديا شعب أُخِذتْ منه بلاده، بقوّة
الاستعمار البريطانيّ، وحُرِمَ مِنْ حقِّه في تقريرِ مصيرِه، ومِنْ حُكْمِ نفسِه بنفسِه، وجاء
الاستعمارُ بنظامٍ من الخارج ونصَّبه على البلاد ليقوم (فيها وبها) بدورٍ وظيفيٍّ
يندرجُ في إطار ترتيبات تنفيذ وعد بلفور. [لمزيدٍ
من المعلومات، في هذا الشَّأن، يمكن الرّجوع إلى مقالي «الذِّكرى التِّسعون
"للكتاب الأسود في القضيّة الأردنيّة العربيّة"»، المنشور في هذه
المدوَّنة؛ ويمكن الرجوع أيضاً إلى مقالي «تراجيديا أردنيّة فصولها تترى»،
وهو منشور في هذه المدوّنة أيضاً؛ وكذلك مقالي «تاريخ الأردنّ المغيَّب وتكريم الدّكتور عصام السَّعدي»، في هذه المدوَّنة كذلك].
رَفَضَ
الأردنيّون هذا المصيرَ البائسَ الَّذي رُتِّب لهم وفُرِضَ عليهم، وتصدّوا له بكلِّ الوسائل، وصنعوا أُمثولتَهم البطوليّةَ الخاصّة. ولهذا التَّصدّي الشّجاع الَّذي خاضوه نماذجُ مجيدةٌ كثيرة في تاريخ شعبنا، سأكتفي منها بنموذجٍ واحدٍ من انتفاضة البلقاء
في 16 أيلول/سبتمبر من العام 1923، بقيادة الشَّيخ ماجد العدوان، تلك
الانتفاضة الَّتي واجهها الإنجليزُ والسُّلطةُ التَّابعةُ لهم بالمدرَّعات والطَّائرات.
رأى «القائدُ
العسكريُّ» للانتفاضة، الشَّيخُ صايل الشهوان، القوى العاتيةَ الَّتي حُشِدَتْ
لمواجهة المنتفضين، فشعر بالقهر وبغصّة الإحساس بالظّلم، وأبى على نفسِه أنْ يستسلمَ أو يهرب، بل اختار أنْ يسجِّل أمثولةً بطوليّةً مجيدة، كتلك الَّتي سجَّلها يوسف
العظمة قبل ذلك التَّاريخ بثلاث سنوات، فهجم على ظهر فرسه، بعزيمةٍ استشهاديّة باسلة، ليواجه
المدرَّعات بسيفه وبندقيّته وهو يهزج، وكان له ما أراد؛ إذ سرعان ما قضى شهيداً في صبيحة
ذلك اليوم الأغرّ.
كان الشَّيخ
جديع أبو قاعود، جالساً على سرج فرسِه إلى جانب الشَّيخ صايل عندما
اختار هذا الأخير ذلك المصيرَ التراجيديَّ البطوليَّ، ثمَّ رآه وهو يهوي صريعاً
بنيران المدرَّعات؛ لكنَّه، بدلاً مِنْ أنْ يعتبر ويرتعب وينجو بنفسِه، أبى أيضاً أنْ
يستسلمَ أو يهربَ، فـ«لكد» على فرسِه وانطلق في إثر رفيقِه نحو المدرَّعات بسلاحه
الفرديّ، وسرعان ما قضى شهيداً.
وتلك
غصَّةٌ ورثها الوطنيّون الأردنيّون جميعاً. قال الشَّاعرُ الرَّاحلُ حبيب
الزيوديّ، بعد سبعين عاماً مِنْ أمثولة صايل الشهوان ورفاقِه التراجيديّة
تلك:
«سبعون
عاماً وما زلنا نعاتبُه
على
الجنون فلم يسمع لنا عتبا».
ما فعله
صايل الشهوان وصحبه كان أيضاً حماقةً في العرف التِّجاريّ وفي عُرف البزنس
وأصحابه. وقال حبيب الزيوديّ عن أرباب البزنس هؤلاء (في قصيدةٍ له عن صايل):
«لعلّ
من قطفوا مِنْ صبرنا ذهباً،
ومِنْ
مواجعنا، أن يشبعوا ذهبا».
وعلى أيَّة حال، بالنِّسبة للشُّعراء الأردنيين الوطنيّين،
وبالنِّسبة للوطنيين الأردنيين عموماً، فإنَّ ذِكر صايل ورفاقه، كنماذج
للبطولة والمجد، لا يغيب عنهم مطلقاً. حيث قال الكثيرُ مِنْ الشّعراء قصائدَ تمجِّدُ هذه المأثرة البطوليّة، متَّخذين الشَّهيد صايل الشهوان نموذجاً لها:
الفارس
والشَّاعر الشَّعبيّ الأردنيّ باجس الرحيّل، امتلك الشَّجاعةَ ليرثي صايل
الشهوان أمام الأمير عبد الله وأعوانه، مباشرةً، بقصيدةٍ نبطيّة، فقال:
«طَاحْ
الحصان اللي عليه البرانيس
واللي
تقلط للقحوص العزومي»
أمَّا
شاعر الأردنّ مصطفى وهبي التَّل «عرار»، فقد أقسم بدم صايل
وساواه ببقاعٍ عزيزةٍ من الأرض الأردنيَّة، فقال:
«قسَمَاً
بماحص والفحيص
وبالطَّفيلة
والثَّنيّةْ
وكُرومِ
جلعاد الأشمِّ
وتُربةِ
الغورِ الغنيَّةْ
ودمِ
ابن شهوان الزَّكيِّ
ومصرعِ
النَّفسِ الأبيّةْ»
وقال
الشَّاعر الدّكتور إسماعيل السعوديّ، عنه، في قصيدةٍ له بعنوان «بقيَّة
الرُّوح المسلوبة»:
«الشِّعرُ
كلُّ الشِّعرِ للشُّهداءِ
فلترحلوا
يا معشرَ الزُّعماءِ
ولتتركوا
ثوبَ القصيدةِ ناصعاً
فالشِّعرُ
فيكم وصمةُ استجداءِ
سأقودهُ
لعيونِ (صايل) وَحْدِه
حتَّى
أعودَ ملطَّخاً بدمائي
فاغضضْ
مِنْ موتكَ يا صايلْ
كي لا
تُزعجَ أصحابَ الظِّلّ العالي
كي لا
تُوقِظَ مَنْ تاهوا في هذا الرّبع الخالي
حاول
أن تَنصُر أحلامَ الفقراء
أن
تُخرِجَ فرحَ العُمرِ بأيدي الُعملاءِ
يا
صايل.. يا خُبزَ البُسطاء المسروق
يا
وجع الرُّوح المخنوق....»
ونعود
إلى الشَّاعر الكبير الرَّاحل حبيب الزيوديّ، الَّذي كتب مراراً عن الشَّهيد
صايل الشهوان، وخصَّه بقصيدةٍ جميلة، بعنوان «صايل»، نشرها في ديوانه
الأخير «غيمٌ على العالوك»، الصَّادر في العام 2012، قبيل رحيله بقليل:
«جادت
به شهقاتُ الغيمِ فانسكبا
على
الفيافي رهاماً راهشاً عَذِبا
فتىً
به سمرةٌ تغوي البنات إذا
ما
سرَّج المهرةَ الشَّهباءَ أو ركبا»
وقال
عن رفاق صايل:
«في
فتيةٍ خيَّطوا الصَّحراءَ من دمِهم
وعلَّموا
أهلَها التّحنانَ والطّربا».
وقال
عنهم أيضاً:
«نادتهم
الأرضُ فامتدّوا بها شجراً
وأوجبوا
لنداء الأرض ما وجبا
رنوا
إلى النّخل في الصَّحراء ما وجدوا
إلا
الشّموخ على أغصانها رطبا
مرّوا
على البيد لمّا أجدبتْ مطراً
وسيَّلوا
الخيلَ في قيعانها خبباً
قالوا
لمن لامهم يذكي مواجعَهم
وهزّ
أغصانَهم أصلاً ومنتَسبا
لقد
سقينا كرومَ الدّار مِنْ دمنا
وما
انتظرنا بها تيناً ولا عنبا ».
ثمّ
يقول حبيب متفاخراً بأولئك الفتية الصناديد:
«أولئك
الصِّيدُ آبائي وما عرفتْ
قصائدي
بعدهم أهلاً ولا نَسَبا».
ثمّ
يعود إلى واقعة استشهاد صايل، فيقول:
«هوى
على الرَّمل فالدّنيا لمن كتبت
دماؤه
الحقَّ، ما الدّنيا لمن غَلَبَا».
ووصف الشَّهيدُ ناهض حتَّر الشّهيدَ صايل الشهوان قائلاً إنَّه مِنْ:
«سلالة
الفرسان الَّتي تحدَّرت من الصَّخر الَّذي ينحته الحُبُّ، أعني الرِّجال الَّذين
يولدون مِنْ زواج الصَّخر والحُبُّ. أعني صايل الشهوان الَّذي حين شتَّتَ قصفُ الطَّائرات
الانكليزيَّة جموعَ الثَّائرين، في ضواحي عمان، في العام ١٩٢٣، هاجمَ مصفَّحات
الأعداء، وهو يهزج. إنَّها لحظةٌ تراجيديَّةٌ كاملة. فصايل، لو شَرَدَ، لن يهزج،
بعدها، ولن يقرب النِّساء!». [ناهض حتَّر - «تايكي/ وضحا/
آمنة- النِّساء والحبُّ في التُّراث الأردنيّ» – المقتَبَس – آذار/مارس
2001].
ناهض حتَّر، نفسُه، كان بطلاً تراجيديّاً مِنْ طرازٍ رفيع، قاوم بالكلمة الحرّة القويّة والفكرة العميقة الشُّجاعة، وكان يعرف أنَّه مستهدف في حياته في كلّ لحظة، فلم يتراجع ولم يداهن؛ بل سار نحو مصيرِه المحتوم بخطىً ثابتة. كانت فكرتُه (وقضيَّتُه) أهمَّ عنده مِنْ حياته، بل كانت هي حياتُه. غاب جسُده؛ لكنَّ فكرتَه اكتسبت زخماً إضافيّاً كبيراً، وأمثولتَه أصبحتْ خالدةً.
الغرناطيّ الَّذي عَرَفَ أنَّه قُتِلَ
إنَّه أيقونة إسبانيا والإنسانيّة، فردريكو
غارسيا لوركا (5 حزيران/يونيو 1898 – 19 آب/أغسطس 1936)، المولود في قرية مِنْ
قرى غرناطة هي فوينتي فاكيروس. أعدمه
الفاشيّون، الَّذين انقلبوا على الدِّيمقراطيّة والجمهوريّة، وهو في الثَّامنة والثَّلاثين
مِنْ عمرِه، وتكتَّموا على مكان دفنِه، ولا تزال إسبانيا حتَّى الآن تبحثُ عن
قبرِه.
وقد سبق للوركا أنْ تنبَّأ بذلك في إحدى قصائدِه؛ إذ قال:
«وعرفتُ أنَّني قُتِلتُ
وبحثوا عن جثتي في المقاهي
والمدافن والكنائس
فتحوا البراميلَ والخزائنَ
سرقوا ثلاثَ جثثٍ
ونزعوا أسنانَها الذَّهبيَّةَ
ولكنَّهم لم يجدوني.
ألم يجدوني؟
كلا، كلا، لم يجدوني».
كان شاعراً ومسرحيَّاً ورسَّاماً وعازفَ بيانو ومؤلِّفاً موسيقيّاً.
ومِنْ أصدقائه الَّذين أصبحوا مشاهيراً في ما بعد: سلفادور دالي، وبابلو
نيرودا. كان يفضِّل إنشادَ شعرِه على نشرِه، وبصعوبةٍ كان أصدقاؤه يتمكّنون مِنْ
إقناعِه بنشرِ شيءٍ مِنْ شعرِه؛ فبرأيه «الشِّعرُ بحاجةٍ إلى ناقل.. إلى كائنٍ حيّ».
كتب رافائيل ألبرتي قائلاً:
«كان لوركا يتدفَّقُ بشحنةٍ من الرِّقةِ الكهربائيّةِ والفتنةِ، ويلفُّ مستمعيه بجوٍّ أخَّاذٍ من السِّحرِ، فيأسرُهم حين يتحدَّثُ أو ينشدُ الشِّعرَ أو يرتجلُ مشهداً مسرحيّاً أو يغنِّي أو يعزفُ على البيانو».
وفي رواياتٍ كثيرةٍ متواترةٍ، يبدو أنَّ الشَّاعرَ واصل
إلقاءَ شعرِه حتَّى وهو أمام فرقة الإعدام الَّتي كانت تتهيَّأ لسلب حياته؛ إذ قال
مخاطباً حبيبتَه ماريانا:
«ما الإنسان دون حرّيَّة يا ماريانا؟
قولي لي كيف أستطيعُ أن أحبّك إذا لم أكن حُرًا؟
كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي؟».
نعم، لقد سُلِبَتْ حياتُه عنوة؛ لكنَّه - كما سبق أنْ وعد - ترك الشّرفةَ مفتوحةً:
«عندما أموت